أسرار عائلية

ذات ورشة من الورش التي نظمها مركز الدراسات الذي يرأسه الرئيس علي ناصر محمد كان يدير احدى الجلسات الاستاذ الجامعي والوزير المصري المعروف د.علي الدين هلال، بدأت الجلسة متأخرة عن موعدها نصف ساعة تقريبا، فأستهل د هلال حديثه قائلاً.. نبدأ جلستنا بتأخير عن الموعد المحدد بمقدار نصف ساعة وذلك احترامنا للتقاليد العربية التي تقضي بعدم احترام المواعيد، فضجت القاعة بالضحك والتصفيق.

في بلادنا، وعلى مر الانظمة المتعاقبة، لديها من التقاليد الشاذة الكثير ليس اقلها عدم احترام المواعيد، ويحضرني في هذا المقام وعد الحكومة بنقل مركز التحكم بالانترنت والاتصالات من صنعاء الى عدن، وهو مشروع سبق وافصح عنه الاخ والصديق نائف البكري وزير الشباب والرياضة، حين كان محافظ لعدن، كان ذلك في لقاء محدود في منزل الشيخ صالح بن فريد، ويقول خبراء البنوك ان من اسباب فشل نقل البنك المركزي لعدن هو ان خدمة الانترنت ظلت تحت سيطرة صنعاء ولا يعقل ان تتم العمليات المالية للبنك من خلال خدمة انترنت يتحكم فيها الخصوم، ما علينا، المهم ان ذلك واحد من الوعود الحكومية الكاذبة.

على ان اخطر التقاليد الضارة من قبل انظمتنا المتعاقبة هو التعامل مع قضايا الدولة والمجتمع بوصفها (اسرار عائلية) تخص الحكام وحدهم ولا تعني جموع الناس، فصبيحة 22 مايو، مثلا، فوجئ معظم الناس باعلان الوحدة، وواحد من عوامل فشل الوحدة يرجع الى انها لم تأخذ حقها من التداول العام، أو الاستفتاء، بوصفها تقرر مصير شعب ووطن، فاختار الحكام وضع الناس في الامر الواقع بزواج (سكيتي) تم ليلا في (نفق) دون حتى شهود، وهكذا وجد الناس انفسهم في صفقة خاسرة يدفعون ثمنها كل يوم، من كرامتهم ومصادر قوتهم وقوت اطفالهم ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الادنى في المجتمع، وتحول الامر بعد غزو 1994 الى الانتقام من كل ماهو جنوبي من الحجر والشجر الى الانسان.

من علامات ان الوحدة كانت (سر عائلي) هي واقعة طريفة حدثت مع وزير الاعلام في دولة الوحدة د محمد جرهوم، فبعد اشهر من الوحدة احضر احدهم الى مكتبه مجموعة شرائط فيديو يبدو انها ضلت طريقها، وعندما شاهد احدها وجد فيه تسجيلا لارسال تلفزيون عدن وهكذا كانت بقية الاشرطة وحين سأل قيل له ان هذا كان مختص بتسجيل ارسال تلفزيون عدن قبل الوحدة ولم يبلغه رؤساؤه بانتهاء مهمته، المصيبة ليست في عدم ابلاغه بنهاية مهمته، المصيبة ان نفقات مهمته كان يتم صرفها بشكل يومي من قبل الحكومة، وهذا يدل على ان الوحدة لم يتم تنقيتها حتى من شوائب اجهزتها (شوائب العائلة).

نعيش هذه الايام حالة حرب نوشك على دخول عامها الرابع يدفع ثمنها الاشقاء في التحالف دماء واموالا باهضة، وندفع ثمنها دماء ودموع ومعاناة لا حصر لها، وهذا امر واضح ومكشوف، ما لا نعلم تفاصيله هو الحرب في الاروقة المختلفة في الاقليم والعالم، طبعا قيادة الشرعية وسلطة صنعاء يعلمون هذه التفاصيل، من لا يعلم هم السواد الاعظم من الناس الذين يدفعون الثمن، يشعرونك بأن الحلول المطروحة موضوع عائلي يخص ترتيب اوضاع الرئيس هادي وبن دغر وعلي محسن والحوثي وحواشيهم ولا يعني بقية الناس الذين يشكلون وقود هذه الحرب.

نحن لا نملك الا مؤشر يتيم، فعندما يرتفع مستوى الهجوم الحكومي وطباليه على الانتقالي وبحاح، مثلا، نعلم ان اسمهم ارتفعت في البورصة السياسية وعندما يزيد دخان المبخرين وترتفع اصوات طبول الطبالين نعلم ان هناك هبوط لاطراف السلطة في هذه البورصة اما عندما ترتفع العمليات الارهابية في الجنوب ويحرص اصحابها على تنفيذها بالتزامن مع وفود دولية تزور عدن كما حدث في جولد مور ومطعم الدرين فنعلم ان هذه عمليات سياسية بغطاء ارهابي تحمل رسائل للخارج لا تخلو من لؤم.

يا هؤلاء.. قضايا الاوطان والناس تهم كل الناس فافصحوا للناس عن مكنونات المطابخ علكم تجدوا ناصحا من هنا او هناك فالامر ليس (سراً عائلياً) يخصكم وعائلاتكم ولكنه امر يخص كل مواطن وهم من يدفع ثمن رعونتكم، وليس انتم من تدفعون هذا الثمن.