المجلس الانتقالي ليس كياناً ملائكياً

تتحرك الأمور باتجاه إنتاج حل للأزمة اليمنية المرتبطة بثنائية (الشرعية – الانقلاب) ومن يستمع إلى خطاب شرعيي اسطنبول والدوحة وعمان وإعلاميي الحوثي لن يجد تباعداً كبيراً بين الطرفين، وقد أشرت إلى شرعيي اسطنبول والدوحة وعمّان لأنهم هم من يبدي ما يخفيه شرعيو الرياض الذين بسعيهم إلى الاحتفاظ بالامتيازات التي ينالونها من دول التحالف يتحاشون البوح بما تخفيه أجنداتهم الباطنية.

الأمور تشير إلى ان الطرفين المتحاربين قد خسرا الحرب وربما ادركت دول التحالف أن الطرفين يستثمران في الحرب ولا يرغبان في إنهائها طالما صارت تدر عليهم المليارات، ومن غير شك فإن السير باتجاه الحل السياسي لن يكون إلا باتجاه صفقة متوافق عليها بين الطرفين؛ صفقة تحفظ توازن المصالح بينهما وتفتح الآفاق لتعاون قادم يذيب تدريجياً ما بينهما من تباينات ويعزز الشراكة القادمة بفتح صفحات جديدة للتعاون بينهما وهناك ارضية لمثل هذا النوع من التعاون، كما إن لدى الطرفين الاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة، وأجزم أن لدى أنصار الشرعية استعداداً كاملا للتضحية حتى بالرئيس هادي إذا ما وافقتهم دول التحالف على ذلك، وهو ما بدأ في التجلي من خلال الهجمة المنظمة والمنسقة ضد شخص الرئيس هادي بمختلف الحجج والذرائع.

السؤال هو: ماذا أعد الجنوبيون لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة وما تحمله من مفاجآت؟ للأسف الشديد ما يزال الكثير من الأطراف السياسية الجنوبية (الصغيرة والكبيرة ) ( الحقيقية والمصطنعة) (الجادة والعابثة) تتمترس عند نقاط الخلاف التي قد يكون بعضها حقيقياً لكنه قابلٌ للبحث والعالجة (ولا شيء غير قابل للمعالجة) لكن ثقافة البعض من الجنوبيين تقوم على التشبث بالصغائر وعدم الاستعداد لتقديم التنازلات ولا للقبول بالحلول الوسط التي تضع المصلحة الوطنية العليا فوق جميع المصالح.

إنني أتحدث عن قوى جنوبية حقيقية لها حضورها التاريخي في مسار القضية الجنوبية منذ العام ١٩٩٤م وبشكل أكثر وضوحاً منذ العام ٢٠٠٧م أما تلك الأسماء المصنعة التي تتمسك بشرعية ٧/٧ أو تلك التي تدين الجميع دون أن تذكر غزو ٢٠١٥م فهؤلاء المدعومون من تحالفي ٧/٧ و ٢٠١٥م ليسوا موضوع نقاش.

وعودة إلى عنوان هذا المنشور فإن معظم الذين أقصدهم يتفقون في مهاجمة المجلس الانتقالي الجنوبي وتوجيه جميع الاتهامات إلى قيادته لكن دونما البرهان على قدرتهم على الأتيان بما هو أفضل من مشروع المجلس الانتقالي.

نعم المجلس الانتقالي ليس من الملائكة وهو يقر بأن الكثير من أدوات عمله قابلة للتعديل والتصويب والتحسين والتطوير، وهو يتخذ المزيد من الخطوات في هذا الاتجاه، لكننا نذكِّر الجميع أن محاولة التوصل إلى كيان سياسي يعبر عن الجنوب والجنوبيين وقضيتهم العادلة، قد استهلك ما يقارب عقداً كاملاً دون التوصل إلى نتيجة بسبب الانانيات السياسية والاستغراق في الصغائر ووضع الأجندات والاعتبارات الشخصية والذاتية فوق الاعتبارات المصالح الوطنية العليا.

وعندما جاء الإعلان عن تأسيس المجلس الانتقالي نال هذا الإعلان تأييد ملايين الجنوبيين ولم يعارضه إلا أنصار الأقاليم الستة أو أنصار المشروع الانقلابي وقلة من الذين تلتبس عليهم الكثير من الامور رغم إخلاصهم للقضية الجنوبية وعددٌ قليل من الذين لا هاجس لهم إلا: أين موقعي وما حصتي؟ هناك كثيرون يوجهون انتقادات إلى طريقة أداء المجلس الانتقالي وجزء كبير منهم محقون في ما يتناولون، لكن جزءً من هؤلاء يصبغون هذه الانتقادات بلغة عدائية تحريضية اتهامية لا تخلو من التخوين والتجريح، ثم يطلبون من قيادة المجلس الانتقالي الجلوس معهم والاستماع لنصائحهم التي هي أصلاً مجموعة من التهجمات العدائية والاتهامات والتحريضات.

لكل القوى السياسية الجنوبية نقول: إن الاستحقاقات القادمة تختلف عما مضى، وقد تفاجأون جميعا بما لم تكونوا تتوقعون، ما لم تعدوا العدة للتوافق على أجندة وطنية شاملة تضع الجنوب ومستقبله ومصيره المستقل فوق جميع الاعتبارات الفردية والفصائلية والمناطقية وفوق الأجندات الأيديولوجية والحزبية، وبحسب معرفتي فإن قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يمثل القوة السياسية الأبرز على الساحة الجنوبية، ولا يدعي مصادرة حقق الآخرين في التعبير عن أنفسهم، يفتح أبوابه على مصاريعها لكل الشركاء السياسيين الجنوبيين للإعداد لمختلف التوقعات ولديه الاستعداد لتقديم التنازلات بما لا يمس جوهر القضية الجنوبية وتطلعات الشعب الجنوبي نحو مستقبله المستقل المتحرر من الوصاية والتبعية والضم والإلحاق، فماذا لدى الإخوة الإعزاء من نشطاء الثورة الجنوبية الحقيقية ومكوناتها السياسية ليقدموه بعيداً عن ثقافة الاتهام بالتبعية وفلسفة التخوين والمناكفة والمماحكة السياسية؟