شرعية سفري


بعد أن نجا علي عفاش من محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في جامع النهدين بصنعاء، وفي أول خطاب متلفز وجهه لأنصاره، قال لهم «أحييكم من العاصمة السياسية الرياض»، وهو ما فُسّر يومها على أنه تعبير عن الامتنان وردّ الجميل للرياض التي كان لها، بعد الله، الفضل في إنقاذه وإعادته للحياة، ومن ثم إعادة إنتاجه سياسياً، وإن كان بصورة أضعف وأوهن.



لا أحد يدري لماذا وصف عفاش الرياض بالعاصمة، وهل كان يقرأ الكف ويرى ما لا يراه غيره من الأحداث والوقائع التي تحدث اليوم والتي جعلت من الرياض ليس مجرد عاصمة سياسية لليمن واليمنيين، بل واقتصادية وثقافية وإعلامية، وحتى اجتماعية؟ إذ إن كثيراً من المسؤولين حين تسأله: أين أنت؟ يجيبك: ذهبت أزور الأسرة في الرياض.


كثيرة هي الشواهد المضحكة المبكية، التي تكشف وهن وهزالة «الشرعية» اليمنية، التي تدعي سيطرتها على ٨٠ بالمائة من مساحة اليمن، ومع ذلك لا تريد أو أنها عاجزة ولا تريد أن تعترف، بعدم قدرتها على العودة إلى الداخل، فلجأت إلى أسهل الطرق وهي الاكتفاء بنصيحة «عفاش» باتخاذ الرياض عاصمة بديلة، ولا ضير في ذلك طالما ظلت الرياض تصرف بسخاء على هؤلاء وتوفر لهم سبل العيش الرغيد. 


تقول الحكومة اليمنية إنها حققت انجازات عظيمة، وإنها حررت معظم الأرض اليمنية، ومع ذلك فهي تعجز عن إعادة فتح قناة فضائية أو وكالة اخبارية في الداخل، بل الأدهى، أنها عاجزة أو رافضة لعودة قناة وإذاعة عدن، وفرع وكالة سبأ إلى مقراتها رغم جاهزيتها فنياً وإدارياً وبشرياً.



بل أنه وضمن مسلسل المهانة اليمنية يقال إن آخر انجازات الحكومة «الشرعية» أنها ستفتتح مكتباً لقناة عدن في عدن، وستُعيّن مراسلين من طاقمها الأساسي للعمل مع القناة في مقرها السياحي في مدينة جدة، حيث تدار من طاقم طارئ لا تربطه بالإعلام سوى علاقته بقيادة «الإصلاح» المسيطر غلى إعلام «الشرعية» الرسمي.


بعد ٥٣ عاماً من تأسيسها في عدن تجد القناة التلفزيونية الثانية عربياً نفسها مغتربة في عزبة في إحدى حارات مدينة جدة، ومجبرةً على تقديم خطاب إعلامي أكثر غرابة وإغتراباً عن الواقع الجنوبي الذي يفترض أن هذه القناة تمثله أو قريبة منه.
مخزٍ ومؤلم أنه وبعد ثلاثة أعوام من استعادة عدن من جماعة «الحوثي» وصالح، مازالت الحكومة ممانعة، أو عاجزة عن إعادة قناة رسمية إلى مقرها الرسمي رغم جاهزيته وجاهزية طاقمه للعمل، في تصرف غريب ومريب من هذا الموقف الذي لا يبرره سوى أن الحكومة غير واثقة من قدرتها على إدارة قناة في مدينة تدّعي أنها عاصمتها، وما عدا ذلك فالأمر لا يخرج عن رغبة هذه الحكومة في تدمير المدينة وحصارها وخنقها تنموياً وأمنياً وحتى إعلامياً.


استمرأت الحكومة اليمنية حياة العيش في الفنادق ووجبات السفري من مطاعم الرياض وجدة، ووفق هذه الحياة المهينة، فإنها تريد أن تدير مؤسسات الدولة بما فيها من مؤسساتها الإعلامية العريقة، كقناة عدن، التي كان من الأشرف لهذه الحكومة أن تغلقها على أن تحولها من قناة لها قيمتها التاريخية المرتبطة بعدن إلى قناة مغتربة في عزبة بجدة، ومن قناة لها هويتها ورسالتها إلى وسيلة هزيلة تابعة لحزب «الاصلاح» وناطقة باسمه .