ومن الغباء ما قتل

لا توجد حكومة تفاخر بخيباتها كما تفاخر حكومة «اللاشرعية» اليمنية، التي تعد إنكساراتها انتصارات، وفضائحها مكاسب وإنجازات تسوّقها للعالم، وهي محتفية وكأنها جاءت للناس بما لم يستطعه ألاوائل.
منذ سنوات تفاخر حكومة «الشرعية» المحشورة في جناحين من فنادق الرياض، بكونها تسيطر على ٨٥ بالمائة من مساحة اليمن دون أن تجرؤ على العودة ولو إلى ٥ بالمائة من هذه المساحة، التي تدعيها وتحاول إقناع العالم بها.

بل الفضيحة أن هذه الحكومة التي تدعي أنها هي من حرّرت محافظات الجنوب، وعيّنت مسؤوليها وقادتها، لم تخجل من أن تذهب بثقلها إلى مجلس الأمن لتشكو وتبكي واقع أن الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تحكم سيطرتها على محافظات الجنوب لا تخضع لها، بل ذهب به بها «الاستهبال» لأن تشكو من أن مدير أمن عدن المعيّن من قبلها متمرد عليها، ولا يعترف بها، دون أن تكلف نفسها، أو بالأصح دون أن تتجرأ على انخاذ قرار هو من صلب اختصاصاتها بإقالته إن كان فعلاّ لا يعترف بها ولا ينفذ أوامرها.

لذلك لا أحد يستطيع أن يفهم تخبّط حكومة «اللاشرعية» التي تدّعي أنها تمتلك السيطرة على محافظات تديرها قوات أمنية وعسكرية، لا تستطيع هذه الحكومة ومن خلفها مؤسسة الرئاسة اليمنية أن تتخذ قراراً بحلها أو إعفاء قادتها من مواقعهم إذا كانت فعلاً تسيطر وتمتلك القرار كما تدّعي كذباً.

ثم لا أحد يستطيع أن يفهم كيف لا تخجل حكومة يدعمها العالم ومجلس الأمن، ومع ذلك لا تمتلك القدرة على أن تقيل مدير أمن، فتلجأ للتحريض عليه، ودعم البلاطجة، وتوزيع السلاح، لإحداث فوضى لا تستطيع معها سوى أن توجه قنواتها التلفزيونية المقيمة في عزب الخارج، لاستغلالها وتخصيص حلقات خاصة لمهاجمته، وكأنه ينتمي لكوكب من خارج الأرض، وليس ضابطاً معيناً بقرار جمهوري.

آخر فضائح الحكومة «اللاشرعية» التي لا تكاد وسائل إعلامها أن تتوقف عن تسرد إنجازاتها في المناطق المحررة، وخاصة عدن، هو أنها أبلغت المبعوث الجديد للأمم المتحدة مارتن غريفت، عدداً من المحاذير من زيارة عدن، وبأنها لا تستطيع ضمان سلامته بسبب الإنفلات الأمني، ما يجعل المرء يتساءل كيف لحكومة تقول إنها تسيطر على معظم مساحة اليمن، وتحقق نهضة تنموية فيها، أن تشكو في ذات الوقت عدم قدرتها على تأمين شارعين في مدينة خور مكسر لمدة أربع ساعات هي المدة المقررة لزيارة المبعوث الأممي؟

إن الجلي في السلوك النفسي غير السوي للحكومة «اللا شرعية» أن قراراتها وتصرفاتها تتأثر بمشاعرها ونزواتها، فحين تأخذها النشوة والغرور تنسب لنفسها كل ما يتحقق من إنتصارات وإنجازات، كما فعلت مع انتصارات «الحزام» و«النخبة» في محافظات الجنوب، والتي ظل قادة الشرعية يتبادلون التهاني بها رغم علمهم أن ما يدّعونه كذب وزور وبهتان.

أما حينما يملأ الحقد قلوب أصحاب القرار فيها، سيّما جهة «المجلس الانتقالي» وقوات «النخبة» و«الحزام»، فإنهم لا يترددون عن هدم المعبد على رؤوس الجميع حتى يصل بهم الحال إلى مجلس الأمن ليشكو هذه القوات، التي لولاها لسقطت الورقة الأخيرة التي تستر عورة هذه الحكومة، وتمنحها ولو من باب الوهم فسحة لأن تدّعي أنها موجودة على الأرض وتدير محافظات ومناطق.

لو أن في هذه الحكومة رجل عاقل رشيد ولديه بعضاً من الكبرياء لخجل من تصرّفها في الذهاب إلى نيويورك لتشكو ضابطاً يتبعها، أو لتدعو لحل قوة عسكرية هي في الواقع من تؤمن وجودها ولو من باب الإحراج.
ولو أن في الحكومة مسؤول حكيم لتصبّب عرقاً، وهو يطالع مراسلاتها إلى المبعوث الأممي، وهي تحذره من زيارة عدن لمقابلة قيادة «المجلس الانتقالي»، وتدعوه لزيارة الرياض لمقابلة ممثلي «حراكها الأليف» الذي يقيم في «بدورم» الفندق ذاته الذي تقيم هي فيه.

والمضحك المخزي أن نشاهد هذه الحكومة تحتفي بأنها نجحت في إقناع المبعوث الأممي أن عدن غير آمنة، وأنها كانت بارعة وهي تشرح له عجزها عن حمايته في عاصمتها، دون أن تدرك أن الحقيقة الوحيدة في كل هذا الأمر أنها ستوصل المجتمع الدولي أنه أمام «شرعية» عاجزة وفاشلة، غير مؤهلة فعلاً لأن تكون جزءًا من المرحلة المقبلة.

أما «المجلس الإنتقالي» فهو مؤسسة سياسية ليس مطلوباً منه أن يوفر الأمن، وإن كان بمقدوره ذلك بل مطلوب منه فقط استغلال ثغرات الغباء المفرط والقاتل لهذه الحكومة العاجزة عن كل شيء، بما في ذلك عجزها عن إدراك حقيقة واحدة مفادها أنها تسير بخطى مسرعة نحو زوالها واختفائها من المشهد، طالما هي لا تحكم محافظة، ولا تستطيع تأمين شارعين في مدينة تدّعي أنها عاصمتها.

*نقلاً عن "العربي"