مصور الرؤساء ..ودرع الأخوة والوفاء من الأشقاء!!

نعم ..أنها أجمل وأروع لمسة وفاء..حظي بها مصور الروساء..بتكريمه بدرع الأخوة والوفاء..بعد مشوار طويل من الجهد والعطاء..وبعد أن قوبل بالنسيان والجفاء من الأهل والأقرباء.. فقد قُيِّض لنا أن نكون يوم أمس شهود عيان على تلك اللحظات الرائعة التي عاشها مصور الرؤساء الشهير (ناشر سيف أحمد)..والفرحة ترتسم على مُحَيّاه المتهلّل لحظات تكريمه من قبل الأشقاء الإماراتيين بدرع الوفاء، عبر ذراعهم الخيري الهلال الأحمر الإماراتي، في فعالية تكريمية بمناسبة عام زايد، بعد أن كاد أن يفقد الأمل في مثل هذا التكريم الذي طالما حلم أن يحظى به من الرؤساء المتعاقبين على بلادنا بعد أن أفنى سنوات عمره في خدمتهم وخدمة الوطن..فجاء التكريم والوفاء من قبل الأشقاء من إمارات الوفاء..فلهم نزجي آيات الشكر والثناء..على هذا الصَّنيع الجميل..والموقف النبيل..الذي أحيا الفرحة مجدداً في نفسه..وأنساه آلام معاناته المرضية.. كان الخيط الذي قاد لتكريمه هي تلك المجموعة الثمنية من الصور التاريخية النادرة التي التقطها بعدسته الذهبية ووثق من خلالها وقائع زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه- للعاصمة عدن عام 1975م في عهد الرئيس المحبوب الشهيد سالم ربيع علي (سالمين)، رحمه الله..وتذكِّرُنا تلك الصور بوقائع وأحداث ولقاءات تلك الزيارة التاريخية والاستقبال الشعبي والرسمي الكبير الذي قوبل به الشيخ زايد بن سلطان، ومنها لقطة معبرة رصدت مرور موكب الضيف الكبير الشيخ زايد في أجمل شوارع عدن - شارع مدرم –وإلى جانبه الرئيس سالمين في سيارة مكشوفة فيما كانت حشود المواطنين تكتظ على جانبي الشارع وهم يلوحون بأيديهم ويهتفون مرحبين بضيف عدن الكبير، في أجواء تعكس سيادة الأمن والأمان وبدون حراسات أو أكقم عسكرية تثير الاشمئزاز كما هو حاصل الآن. وقبيل أيام من هذا التكريم بأيام كان الهلال الأحمر الإماراتي قد التقط زمام المبادرة –دون غيره من مسؤلي الدولة- لزيارة مصور الرؤساء، ناشر سيف، حينما كان طريح الفراش في المستشفى وفور أن خرج للتو من عملية جراحية أجريت له، فحمل له ممثلو الهلال الأحمر الإماراتي باقات الفل مشفوعة بدعواتهم له بالشفاء..ثم نقلوا له خبر تكريمه، فرفع ذلك من معنوياته وخفف من معاناته جراء العملية وثقل المرض. ورغم كبر سنه وخروجه مؤخرا من المستشفى إلا أنه تحامل وحضر بنفسه يوم أمس مع بعض أولاده وأحفاده ليعيش لحظات تكريمه الجميلة التي وثقتها صور عديدة كان فيها في هذه المرة هو الشخصية التي لفتت الانتباه ووجهت إليها أضواء وفوهات عدسات كاميرات المصورين ومراسلي القنوات الفضائية..بعد أن ظل لعقود يقف – جندياً مجهولاً- خلف الأضواء يسلط فوهات عدسته لرصد زيارات ونشاطات ولقاءات الرؤساء، ولا شك أن سعادته بذلك كانت أكبر من أن توصف.. الجدير بالإشارة أن المصور الفوتوغرافي ناشر سيف أحمد، من مواليد 1940م، وشغف بالتصوير في وقت مبكر من طفولته، وتعلم التصوير وعمره تسع سنوات في استوديو (عقيل) في كريتر بجانب فندق الجزيرة، ثم انتقل من عدن إلى زنجبار عاصمة السلطنة الفضلية وأسس فيها أول استوديو للتصوير عام 1959م، حمل اسم استوديو (الشباب) وما يزال حتى الآن هناك ويحمل اسم صاحبة (استوديو ناشر). وفي هذا الاستوديو تعرف على (سالمين) في عام 1963م وربطتهما علاقة وطيدة تعززت بانخراطه في صفوف الجبهة القومية في العام التالي 64م، وأضحى الأستوديو مركزاً لتجمع لشباب ومناضلي ثورة أكتوبر وعلى رأسهم (سالمين) لتبادل الآراء وتوزيع المنشورات وكان يقدم دعمه المادي المحدود للثوار..لكنه الكبير حينها.. كما عمل أيضا على تأسيس أول استوديو للتصوير في مدينة جعار عاصمة السلطنة العفيفية (يافع) .. وفي عام 1968 تعرض للسجن مع مجموعة من مناضلي الجبهة القومية بسبب ارتباطهم بالمناضل سالمين. وحين تولى سالمين رئاسة مجلس الرئاسة عمل معه كأول مصور شخصي للرئيس ومدير قسم التصوير في دار الرئاسة ..وقد رافق بكاميرته الرئيس سالمين في كل زياراته الميدانية داخليا وزياراته الخارجية ..وكذا خلال استقباله لجميع الرؤساء العرب والأجانب إلى العاصمة عدن ، وحتى يوم استشهاد سالمين، وظل بعدها المصور الخاص لجميع الرؤساء الذين جاؤا بعد سالمين، وهم:علي ناصر محمد، عبدالفتاح إسماعيل، والمهندس حيدر ابوبكر العطاس رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى، ثم بقي مصورا مع نائب الرئيس علي سالم البيض بعد "الوحدة المشئومة" التي أصيبت بمقتل في حرب 94.. ومنذ ذلك الحين تعرض مثل غيره من الكوادر الجنوبية للتهميش والاقصاء والإهمال مع كل طاقم التصوير.. ورغم أن أرشيف الدولة في الجنوب قد تعرض للنهب والسرقة، بما في ذلك أرشيف الصور الرسمي وكذلك وثائق التلفزيون العدني الأقدم في جزيرة العرب، فإن من حسن الحظ أن مصور الرؤساء احتفظ ببعض الصور التي التقطها وحافظ عليها بطريقته الشخصية، وقد رتب – كما علمت- إرشيف الصور الخاص بعهد سالمين بالكامل بشكل متسلسل..ومنها صور زيارة الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، وهي اليوم تمثل وثائق هامة كونها وثقت لمرحلة تاريخية مهمة من تاريخنا الوطني وهويتنا ودولتنا التي نسعى لاستعادتها، بعد أن حاول عفاش محوها من ذاكرة التاريخ. ويجب أن لا نهمل المطالبة باستعادة إرشيف ووثائق دولتنا المنهوبة والمسروقة.. وأتذكر كيف كنا نوثق في مطلع ثمانينات القرن الماضي لكل الصور الفوتوغرافية عن القوات المسلحة ونحتفظ بها وبأصولها الفلمية، وكذلك جميع حلقات برنامج (جيش الشعب) الذي كنت أقدمه أسبوعيا، حيث احقفظنا بنسخ منها في أشرطة خاصة وفي مكان خاص في قسم التصوير بجانب مبنى وزارة الدفاع..وللأسف أن مصير ذلك الأرشيف مجهولا بعد حرب 94م، ولم يتبق إلا عدد بسيط من تلك التسجيلات احتفظت بها شخصيا عند سفري للدراسة الجامعية عام 1986م.. ولذلك أتحسر أن تصاب ذاكرتنا بمثل هذا الطمس والنهب المتعمد. مرة أخرى نقول شكرا للهلال الأحمر الإماراتي على هذه اللفتة الكريمة بتكريم مصور الرؤساء بدرع الأخوة والوفاء.