(محمد جعبل).. الياقوت والبارود!

* بعد ثلاثة عقود ونيف إنحلت عقدة لساني، وهأنذا أسجل موقفاً متأخراً وأدلي بشهادتي في حق نجم النجوم الكابتن (محمد جعبل).

* كنتُ (تلميذاً) عندما تعرض (محمد جعبل) لقمع إعلامي من صحافة (الرفاق)، وهو الذي كان بين أبرز أربعة لاعبين جنوبيين في السبعينات وحتى بداية الثمانينات.

* عندما كان (محمد جعبل) يُحلق بفريق (الجيش) عالياً بجناحيه، ويذر رماد أهدافه في عيون كبار القوم (الوحدة والتلال وشمسان)، لم تعتن به صحافة (الرفاق) ولو بمستوى (الثمن)، كما فعلت مع نجوم آخرين، نالوا شهرتهم على الورق، أما داخل الملعب فقد كان سيد القوم، وفارس الفرسان (محمد جعبل)، بلا منازع، و(محمد جعبل) نجم كروي خاص جداً لأنه كان شجاعاً مهاباً قلبه بين قدميه.

* خاص جداً ، لأنه أول لاعب ينحني له الشهيد (علي عنتر)، ويُسلمه مفتاح سيارته على خلفية تسجيله لهدف أكروباتي في مرمى الفريق (السوفياتي) العسكري.

* خاص جداً ، لأنه أول من كسر شوكة منتخب (العراق) في عام 1974، وهو يسجل هدفاً جمع فيه حواسه ومهاراته وشجاعته وثعلبيته في تحويل نصف الفرصة إلى هدف سينمائي، قلما نشاهد مثله في ملعب الشهيد الحبيشي.

* خاص جداً ، لأنه اللاعب الوحيد في (الجنوب) الذي تمنى النجم العراقي الكبير (علي كاظم) أن يلعب إلى جواره، ويلتقط معه صورة للذكرى.

* خاص جداً ، لأنه حبة (الرمان) التي غرسها المدرب الراحل (علي محسن مريسي)، في تربة (المنتخب)، ثم سقاها من عرقه ودموعه وسهره إلى أن أينعت دولياً، وجنى ثمارها محصولاً يحمل ختم الجودة والإمتاع، في شرابه لذة للشاربين.

* وهو خاص جداً، لأنه شكل مع رفقاء دربه (عبدالله الهرر وعثمان خلب و طارق ربان وحسين جلاب) فريقاً عسكرياً مرعباً إلتهم بطولة الدوري في الجنوب (ثلاث مرات متتالية)، وراح مدربه يختال ضاحكاً وهو يقول : ما دمنا نمتلك (قلب الأسد) فلا منافس لنا.

* وزع (محمد جعبل) قزاحه الدولي في مختلف البطولات العربية والقارية، وكان وقتها محل تقدير بحكم أنه ساهم في إنشاء الاتحاد العسكري مع (صادق حيد وصالح الشعملي وهادي أحمد ناصر).

* كان (محمد جعبل) جناحاً فلكلوريا معجون بسرعة فائقة، وبقدرة عجيبة على ترويض الكرة، تبدو قدمه مثل (طوربيد) قذائفه لا تخطئ الشباك.

* هل تريدون المزيد من صفات وسمات هذا النجم الكبير، الذي لم ينل حقه الأدبي والمعنوي من فرسان القرطاس والقلم ؟ .. حسنا .. إتبعوني ..

* ( محمد جعبل) نجم كروي يتحدث بلغة مهارية نادرة، وأنت تراقب هذا (التحفة)، ضع في بالك أنه مهاجم زئبقي .. لمساته حريرية .. وهو مهاجم دائم الانتهازية .. بارع في التحرك بدون كرة .. صقر لا يعشق إلا التحليق في البقاع المرتفعة.

* لاعب مدهش يلعب بألف رئة، ويتحرك بألف قدم .. تجده حاضراً في كل المساحات .. يسافر إلى كل المسافات .. تجده قريباً من زملائه .. يساعد هذا .. ويحل مشكلة ذاك .. يضع لمساته على مفكرة فريقه، ثم يوزع بعين ترى كل الفراغات.

* كان (محمد جعبل) نبض (الجيش)، ترمومتر العطاء، يلعب فريقه كرة حقيقية جميلة، تستحق المتابعة، وتستحق الفرحة والاحتفالية .. كرة واقعية وحقيقية تستقطب أسراب السنونو، بفضل كوكبة مدهشة من نجوم (عسكرية) لا تخلف موعد الحصاد.

* ( محمد جعبل) مقاتل حقيقي، يعتمد كثيراً على لياقته البدنية الخارقة وسرعته الفائقة، مهاجم طرفي جرئ للغاية ، مندفع ، مراوغ ، سريع البديهة ، (كومندوز) كروي بمواصفات قتالية خاصة، يمتلك قدرة مذهلة على التوغل والاختراق ، شجاع ، مقدام ، يكر ولا يفر ، يُقبل ولا يُدبر ، فدائي ، قلبه دائماً بين قدميه الفولاذيتين، كان يبدو من هيئته بالنسبة للحراس فيلماً مرعباً، وكابوساً مخيفاً يقض مضاجع المدافعين مهما بلغ وزنهم، أما بالنسبة لمحبيه وعشاقه فهو خلطة مواهب ، لاعب معجون بالياقوت والبارود.

* يجتمع المدافعون حول (محمد جعبل) لمصادرة طوربيداته وأسلحته المحرمة كروياً ، لكنهم يقبضون الهواء فهذا المهاجم الزئبقي، يموه ويناور، ويباغت المرمى، مثل طائرة شبح، بدون طيار، جرب معه المدافعون كل وسائل التلصص والتعذيب، لكنه ينسل في رواق مملكته .. يخترق ويتوغل .. ويخلخل الحواجز الدفاعية .. يتمرد على كل إشارات المرور وعلامات المنع، لا يستسلم لنظام الحراسة، لا ينحني أبداً أمام صرامة العسس ورقابة العسكر، في ومضة ينفلت يكسر قيوده، وينطلق ببراعته وسرعته ، ثم يقذف قذائف منجنيق، تصيب الهدف بدقة.

* واليوم ، و(محمد جعبل) يحتفظ جناحاه بنكهة أشجار البرتقال ، نسجل لك اعتذارنا ، إعتذار جيل عاصرك ولم ينصفك، ورغم أنني لا أنتمي لذلك الجيل ، إلا أنني أتصور أن شهادتي ستسعدهم، وقد عاد الحق لصاحبه المعجون بالياقوت والبارود (محمد جعبل) ، ولو بعد ثلاثين عاماً ، أو يزيد..!