الرصاص الراجع : موتُ قادم من السماء

الثلاثاء 1 مايو 2018 10:07:00
الرصاص الراجع : موتُ قادم من السماء
علي حسن الخريشي

كان الطفل عصمت عاصم ذي ال6 سنوات  يتجول مع والده عاصم عمر، في ليل يوم الخميس الموافق ال17 من اذار مارس 2018 م. في شارع المهندسين بالشيخ عثمان بالعاصمة عدن،  وإذ بضحكات عصمت المسموعة التي كان يتبادلها مع والده توقفت فجأة، بعد سقوطه المفاجئ على الارض، يأخذه والده بين ذراعيه، فإذا بدماء تبلل ملابسه مصدرها الجهة اليسرى من البطن، هول الصدمة المفاجئة على والده لم تفقده صوابه، حينما اسرع لنقله إلى احد المشافي القريبة ليكتشف ان ابنه عصمت قد اصابته رصاصة راجعة من السماء واستقرت في كليته اليسرى، يخضع عصمت بسببها إلى عملية جراحية تمكن فيها الاطباء من اخراج الرصاصة، لكنهم بالطبع غير قادرين على ان يعودوا لعصمت كليته التي تمزقت وتم استئصالها، مازال عصمت حتى اللحظة يرقد في العناية المركزة، وما زالت امه المكلومة تمسح دموعها كلما رأته امامها على هذه الحالة،  كما ان والده عمر غير قادر ايضاً على معرفة الجاني الذي تسبب لابنه بهذا الحادث الاليم.

           الطفل عصمت عاصم

وتستمر معاناة وقلق سكان العاصمة عدن من ظاهرة الرصاص الراجع من السماء الذي ازدادت وتيرته عقب انتهاء الحرب ضد الحوثيين التي انتهت قبل نحو أكثر من ثلاثة سنوات تقريباً، حصد خلالها الرصاص الراجع ارواح عشرات من المواطنين الابرياء، بينهم نساء واطفال.

ومع غياب الإحصاءات الدقيقة لعدد ضحايا هذه الظاهرة التي سجلت تزايداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، بينت تقارير سابقة لمكتب الصحة بعدن أكثر من 82 حالة إصابة ووفاة، بينهم 14 طفلاُ وخمس نساء خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني وأغسطس/آب من العام قبل الماضي. وبحسب المصدر ذاته فأن هذا الرقم لا يشكل سوى 20% من إجمالي الرقم الحقيقي للضحايا خلال تلك الفترة فقط، على اعتبار ان هناك حالات أخرى حدثت لم يبلغ عنها رسمياً.

 رباب جمال ناشطة في حقوق الانسان

رباب جمال : ناشطة عدنية في مجال حقوق الانسان، وتعمل لدى منظمة كرامة لحقوق الانسان، اطلاق الاعيرة النارية في الاعراس والمناسبات هي ظاهرة دخيلة على عدن واهلها، وهي للأسف في تزايد مستمر، وقد حصدت ارواح العشرات من المواطنين الابرياء، وتحولت الافراح في بعض احياء عدن إلى كوابيس خوف مرعبة للسكان بسبب كثافة الاعيرة النارية التي تطلق فيها، بل ان كثير من الاعراس تحولت إلى مآتم نتيجة حوادث القتل التي تحدث خطأ بين اوساط اهل العرس ذاته.

  وتضيف رباب ان السلاح اليوم اصبح  في متناول الجميع، وبات الكثير من الشباب يتمشون به في شوارع عدن، حتى صار الناس غير قادرين على التمييز بين رجل الأمن وغيره ممن يحمل السلاح.

ونحن كناشطين ومهتمين في مجال حقوق الانسان، فأننا نجدها فرصة عبر منبركم الاعلامي هذا بدعوة شرطة عدن إلى الوقوف وقفة جادة   

 تجاه هذه الظاهرة المخلة بأمن واستقرار عدن، وتفعيل قوانين حمل وحيازة واستخدام السلاح.

شاهد أعيان.

المواطن هديل سائب صاحب بقالة بالجهة الشرقية من روضة الاطفال امام فرزة السيلة بالشيخ عثمان  يروي تفاصيل حادثة وقعت امامه في ذات المكان ويقول : كان الأولاد يلعبون الجيم في حافة الشارع عصراً، وفجأة سقط احدهم مضرجاً بدمائه، فصاح الأولاد وهرعنا نحوهم وإذا بولد عمره نحو 15 ربيعاً اصابته رصاصة راجعة من السماء في وسط الرأس تم اسعافه للمشفى، لكنه كما علمنا فيما بعد أنه قد فارغ الحياة.

مشارك في اطلاق النار.

الشاب ( س .م .ح) يسكن في حي دار سعد الواقع في الناحية الشمالية من عدن، وهو يحمل بندقية من نوع كلاشنكوف يقول : أنه يشعر بالاستمتاع والسعادة عندما يطلق النار في الهواء ابتهاجاَ بزفاف احد اصدقائه معتبراً ذلك نوع من التعبير عن هذه الفرحة، رقم انها تكلفه كثيراً من المال. واضاف ان الكثيرين هنا يطلقون النار في الافراح، وقد اصبحت عادة بالنسبة لكثير من السكان.

ويقول: الطبيب (محمد يحيى) الذي يعمل في قسم الطوارئ بأحد المستشفيات الخاصة، ان المصابين الذين يصلون إلى قسم الطوارئ لديهم، يجري تعيين حالتهم عادة بوجود ممثلين عن إدارة البحث الجنائي، وهذا في حال ابلاغ اهلهم للأجهزة الأمنية بالحادثة، التي تصنف عادة على انها حادثة جنائية، وأكد الطبيب ان مهمتهم هي العلاج والتشخيص وتحرير التقارير، وجهات الاختصاص في النيابة والبحث هي من تقوم بجمع الادلة والتحقيق.

واوضح الطبيب يحيى ان  يومي الخميس والجمعة يستقبل قسم الطوارئ في المشفى أكثر حالات الاصابة بالرصاص الراجع، معللا ذلك بكثرة الافراح والزيجات في هذين اليومين، والتي يطلق فيها الرصاص العشوائي بكثرة في اجزاء متفرقة من مدينة عدن.

ويؤكد ان هناك حالات حرجة تصل إلينا في المشفى سببها الاصابة بالرصاص الراجع، بينها حالات وفاه.

ويرى الكثيرون من سكان عدن ان ظاهرة اطلاق الرصاص الحي في الافراح هي دخيلة على مدينتهم، وقد بدأت بالظهور تدريجياً منذ ما قبل حرب تحرير عدن سنة 2015م. لكنها برزت بصورة أكبر فيما بعد لتكون احدى مخلفات الحرب السلبية على المدينة وبسببها ازهقت ارواح عشرات من الابرياء، واضعافهم من الجرحى، تحولت جراح بعضهم إلى عاهات أو إعاقات جسمية مستديمة، ملحقة اضرار نفسية يصعب معالجتها.

وقفات : لذلك فقد نظم العديد من  مواطني عدن بينهم ناشطون حقوقيون،  وقفات احتجاجية لمطالبة السلطات الأمنية بوضع حد لهذه الظاهرة المخلة بالسكينة العامة، والتي يرون انها احد مظاهر الانفلات الأمني، والتي يستغلها الخارجون عن النظام والقانون لا حداث الفوضى والجريمة في المدينة.

وتأتي مطالبة الناشطون والمواطنون عبر تنظيم وقفات احتجاجية تطالب الأجهزة الأمنية بفرض قانون يمنع اطلاق النار العشوائي في سماء عدن، كما يستخدم الناشطون الملصقات الاعلامية التي تبين للمواطن حجم الضرر الذي ترتب عنه حمل واستخدام السلاح عشوائياَ على المدينة وسكانها.

  

  ناشطون يطالبون بمنع حمل واستخدام السلاح في عدن

 شرطة عدن :عبدالرحمن النقيب الناطق الرسمي لشرطة عدن اكد في تصريح سابق له ان شرطة عدن بصدد اتخاذ إجراءات أمنية مشددة بحق مطلقي النار في الأفراح والمناسبات، كما اوضح ان العمل يجري حالياً على تشكيل قوة أمنية خاصة تتبع ادارة عمليات شرطة عدن وتكون مهمتها تفعيل القوانين الخاصة بهذا الجانب وضبط المخالفين.

نماذج نجاح: تعتبر منطقة ردفان محافظة لحج، والتي تبعد بنحو 100كم شمال عدن، والمقسمة إلى اربعة مديريات هي نموذج لنجاح منع اطلاق الأعيرة النارية العشوائية في الافراح والمناسبات، على الرقم من ان جزءً كبيراً منها هي عبارة عن قرى ريفية متباعدة، وقد اعتاد المواطنون فيها على اطلاق الاعيرة النارية منذ فترة زمنية طويلة. إلا ان ناشطون وشخصيات اجتماعية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية توصلوا إلى اتفاق فعلي تم بموجبه منع اطلاق الرصاص الحي في الاعياد والمناسبات، وكل من يخالف ذلك يتعرض لعقوبات سجن وغرامات مالية  تنفذ من قبل  الأجهزة الأمنية، ومنذ نحو عام تقريباً تعيش مديريات ردفان الاربع بمدنها وقراءها في هدوء وسلام من  كل الحوادث التي كان يتسبب بها الرصاص الراجع بين الحين ولآخر.