محاولة فهم معنى الشرعية في اليمن


يجمع اليمنيون والجنوبيون على أن اليمن والجنوب المحرر تحديدا لم يجن من حكومة أحمد عبيد بن دغر سوى المشاكل وافتعال الازمات، وأصبح المواطن يحصل على قوت يومه بأسعار السوق السوداء.
أصبح تاجر النفط (المحتكر) يبيعه للناس بسعر السوق السوداء وبالضعف مما كان عليه قبل واثناء العدوان الذي شنه الحوثيون على الجنوب، وفوق هذا لا يحصل عليه المواطن الا بشق الانفس.
إن اقل ما يمكن ان يقال عما يحصل في عدن، إنها حرب لا تقل عن الحربين السابقتين اللتين شنهما نظام صنعاء (1994 و2015)، فالعقاب نفس العقاب واشد، بل كانت المشتقات النفطية والكهرباء وانهيار العملة هي الأسلحة الفتاكة لهذه الحرب الحالية، لإنهاك أهالي عدن والجنوب.
حرب أرادت من خلالها ما تسمى بـ(حكومة الشرعية) فرض مشاريعها على الجنوبيين الذين قاتلوا تحت راية بلادهم التي يتوقون إليها، وما تحاول فرضه الحكومة هي بالطبع مشاريع لا تتفق مع الاهداف التي سقط من أجلها آلاف الشهداء والجرحى الجنوبيون، بل تتنافى والقيم الإنسانية، فهي حرب شعواء وشاملة ضد شعب يعاني منذ ربع قرن من جراء هذه الحروب والممارسات.
لكن وبعيدا عما تقوم به حكومة أحمد عبيد بن دغر في الجنوب من ممارسات وافتعال للازمات والمشاكل ومحاولة اثارة المناطقية والجهوية بين ابناء الجغرافيا الجنوبية الواحدة، دعونا نحاول فهم شرعية حكومة بن دغر.. هل هي شرعية فعلا أم لا؟.
رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر يعد السياسي اليمني الأول (المتقلب)، فهو الاشتراكي الذي سحل العلماء الجنوبيين في حضرموت، والمحكوم عليه بالإعدام بتهمة انه انفصالي، وهو الوحدوي والمؤتمري العفاشي الذي كان يمني النفس بسقوط عدن في قبضة المليشيات الحوثية، وقد شاهده الجميع وهو يبتسم الى جوار الرئيس اليمني الراحل خلال اعلان الحرب الثانية على الجنوب في مارس (آذار) 2015، قبل ان يقفز إلى سفينة هادي على أمل الحصول على مكاسب مادية يلهث وراءها دون ان تكون له مشاريع وطنية غير ما يجنيه وان كان على حساب قوت الشعب الذي تعاقبه حكومته بـ(حرب الخدمات) وافتعال الازمات.
حين خرجت الناس في عدن مطلع العام الجاري للتظاهر ضد حكومة بن دغر تعرضت للقمع الوحشي من قبل قوات تحركت بأوامر من رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر ونائبه وزير الداخلية أحمد الميسري الذي كان قد هدد بأن الحكومة لديها مخالب وأنياب.
البعض هول الأمر ووصفه بأنه انقلاب (المجلس الانتقالي وقواته على حكومة بن دغر الشرعية)، وظلت وسائل إعلام الدوحة وإعلام إخوان اليمن يصف المجلس الانتقالي الجنوبي بـ(الانقلابي)، مع انه (أي المجلس)، يستمد شرعيته من شعب خرج عن بكرة ابيه مفوضا قيادته الموحدة للدفاع عن القضية الجنوبية العادلة، بعد ان حولت حكومة بن دغر بوصلة حربها صوب الجنوب لمحاولة التهامه.
أصبحت هذه الحكومة (غير الشرعية) التي يرأسها (المتقلب) أحمد عبيد بن دغر، تثير الفوضى ووصلت مشاكلها إلى جزيرة سقطرى التي نأت بنفسها عن الحرب التي شنها الانقلابيون.
حين تم اقالة الدكتور خالد محفوظ بحاح مطلع أبريل (نيسان)، خرج ليقول ان قرار اقالته هو تقويض للشرعية.
يومها ضحك الإخوان كثيرا من فنادق الرياض والدوحة واسطنبول، وقالوا عن الرجل بأنه خائن وعميل وانه كان يخطط للإطاحة بالرئيس هادي.
كان بحاح يرى ان حكومته هي جزء أصيل من شرعية الرئيس، لكن قطر وعن طريق الإخوان نجحت في ازاحة بحاح والدفع بالأحمر إلى مؤسسة الرئاسة كنائب للرئيس بصلاحيات (أوسع من الرئيس الشرعي)، مقابل وعود قطرية لم تف الدوحة بها، على الرغم من ان الرئيس هادي بشر بالمشاريع القطرية وبأن (الكهرباء ضرورة لحياة الإنسان).
نعم حكومة خالد بحاح هي الحكومة الشرعية المستمدة من تصويت البرلمان بالإجماع في جلسة الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) 2014م، لكن حكومة بن دغر من اين تستمد شرعيتها؟
فمنذ تعيين أحمد بن دغر (القافز) من سفينة الانقلابيين رئيسا للحكومة في الـ4 من أبريل (نيسان) 2016م، لم يجتمع البرلمان اليمني ليمنحها الثقة، فمن أين تستمد شرعيتها؟.
من أوهم هادي وخوفه بأن بحاح يسعى للإطاحة به، هو من عمد إلى تقويض الحكومة الشرعية، التي لا تعني شخص الرئيس وحده، ولكن الشرعية هي في الاساس للحكومة المكونة من مختلف القوى السياسية والتي تستمد شرعيتها من ثقة البرلمان.
المادة (86) من الدستور اليمني تقول "يقدم رئيس مجلس الوزراء خلال خمسة وعشرين يوما على الاكثر من تاريخ تشكيل الحكومة برنامجها العام الى مجلس النواب للحصول على الثقة بالأغلبية لعدد اعضاء المجلس واذا كان المجلس في غير انعقاده العادي دعي الى دورة انعقاد غير عادية ولأعضاء المجلس وللمجلس ككل للتعقيب على برنامج الحكومة، ويعتبر عدم حصول الحكومة على الاغلبية المذكورة بمثابة حجب للثقة"؛ فمن أين تستمد حكومة بن دغر شرعيتها؟، وإذا كانت صنعاء يحتلها الحوثيون والبرلمان غير قادر على عقد جلساته، فإن المــادة (66)، تقول "مقر مجلس النواب العاصمة صنعاء وتحدد اللائحة الداخلية للحالات والظروف التي يجوز فيها للمجلس عقد اجتماعاته خارج العاصمة"؛ وهو ما لم يقم به البرلمان لمنح الثقة لحكومة أحمد عبيد بن دغر.
إذاً، لا شرعية لحكومة بن دغر، بل انها حكومة غير شرعية ولم تحصل على ثقة البرلمان وهي في الاساس مرفوضة شعبياً، لأنها أصبحت تمثل طيفا سياسيا واحدا، وجزء من اعضاء هذه الحكومة على تواصل او على علاقة بأطراف إقليمية مناهضة للتحالف العربي الداعم للشرعية.
 فإذا اراد الرئيس اليمني المعترف به دوليا استعادة الثقة بشرعيته، فعليه الاسراع بسحب فتيل النار التي يحاول بن دغر والوزراء المرتبطون بقطر اشعالها، وإصدار قرار بتعيين حكومة جديدة يكون تمثيل الجنوب فيها 50 % بحسب ما اقرته مخرجات مؤتمر الحوار اليمني، على ان يتم دعوة اعضاء البرلمان لجلسة في عدن أو في مأرب لمنح الحكومة الجديدة الثقة، ما لم فإن الشرعية تتبدد خلافا لطموح الإخوان وادعائهم بأنها تتمدد.
*رئيس تحرير صحيفة (اليوم الثامن)