رجل من زمن الشعارات

الاستفادة من عبر تاريخنا ليس معيبا حتى وان رآه البعض جلدا للذات، وتسمية الأشياء بمسمياتها والاعتراف بالخطاء هو الخطوة الاولى لتصحيح الاخطاء، والعقول المثقوبة لا تصلح لإحداث التراكم المعرفي الذي ينهض بالامم، وقد قالت العرب ان (فاقد الشيء لا يعطيه) وهذه مسلمات لا يمكن لاحدنا التنكر لها او انكارها.

حقبة ما بعد الاستقلال التي عاشها الجنوب شهدت تغييبا متسلسلا لرجال الدولة الذين يحملون قدرا من التراكم المعرفي، وشهدت تلك الفترة صعودا صاروخيا لشخوص الشعارات من جوقة الدعاية والتحريض، وهذا لا يعني خلو المشهد من رجال دولة الا ان صوت الشعارات كان هو الصوت العالي وبإمكانه قمع اي صوت يقول رأياً آخر، حتى ان الوحدة ذاتها كانت شعارا اجوف لم نجن من وراءه الا الحصرم، وهي وهم تشبعنا به بفعل جوقة الشعارات

عادت بنا الذاكرة الى جوقة الشعارات عندما راينا الاخ رئيس الوزراء يردد الشعارات من على منصة خطابه في نفر من ابناء سقطرى، ذكرنا بأولائك الشعاراتيين (ابناء اللحظة) الذين يغلب التحريض خطابهم متأثرين بحالة انفعالية يتبخر تأثيرها بنهاية اللحظة، ولا يحسبون آثار الحالة الانفعالية هذه على الاداء العام، في الحرب او تنمية المناطق المحررة، وفي تقديري ان ذلك ناتج عن ان الاستاذ احمد بن دغر انتقل تعسفيا من حالة (رجل الشعارات) الى حالة (رجل الدولة) دون تراكم معرفي سوى تراكم الشعارات، وهذا ما اكدته كل اماكن تواجده حيث غلب الطبع علىالتطبع (غلب طبع رجل الشعارات على تطبع رجل الدولة) من الخطب الاستفزازية الى هوس حفلات الزار اصبح معها الرجل صانع ازمات اينما حل، وفي المقابل لم نلمس اي تحسن في احوال المناطق المحررة مهما بقبق شهود الزور من اؤلائك الذين يرفلون في نعيم الحكومة خارج الحدود.

كان احدنا ينتظر من الاستاذ بن دغر ان يعتلي منصة الخطابة ليقدم الشكر للتحالف وان يثني على دور دولة الامارات على ما قدمته من تضحيات (دماً ومالاً)، اما ان يتأثر بجوقة شيطنة الامارات التي يعلم القاصي والداني من يقف وراءها فتلك مصيبة، وان كان الرجل يعرف هذه الجوقة، او ان في رأسه هدفا آخر يخفيه فالمصيبة اكبر، لان المرء لا يحتاج الى كثير جهد ليكتشف من هو المستفيد الاكبر من شيطنة التحالف العربي او احد اطرافه الفاعلة.

للفرد دور في التاريخ واذا كان لي من امثلة فاني اذكر مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا او فلاديمير بوتين الذي أحياء روسيا بعد خراب وغيرهم كثر، وفي حالتنا فإننا لا نرى فلتات من هذا النوع من رجالات الدولة فكل من استعان بهم الرئيس هادي هم اما عناصر تستفز الشارع او التحالف، او (مفسبكين) ومن في حكمهم، او سياح في ملذات عواصم العالم، وقليل منهم لا يتجازون اصابع اليد الواحدة يعملون على الارض بجهود فردية تستحق منا الاحترام.

يا فخامة الرئيس، يفترض بالشرعية وادواتها ان تكون عونا للتحالف لا عبئاً عليه، ويفترض برجالك ان يكونوا رجال دولة تصنع تناغم وجسور تواصل مع كل الطيف السياسي بما في ذلك الطيف الجنوبي، يفترض برجالك ان يعملوا للاهداف الكبرى، بما فيها الامن الاقليمي، لا لشخوصهم واحزابهم، وان يكونوا صنّاع وئام لا صناع ازمات تحول معهم التحالف الى(مفارع) هنا ويدير حربا، نيابة عنهم، هناك.