خديعة أسمها سيطرة الجنوب على المناصب الحكومية

حين كان يقول الجنوبيون بعد حرب 94م بأن الجنوب أصبح على الهامش السياسي, وأن الشمال بات يهيمن على مفاصل الدولة والحكومة والبرلمان من خلال تفرده برئاسة الدولة والبرلمان والحكومة- وهذه الأخيرة استحوذ على رئاستها شماليون لعدة دورات-كان يأتي الرد على تلك المزاعم الجنوبية من قبل الطرف الشمالي -وحتى من أصوات جنوبية وخصوصاً الأصوات الموالية لسلطة ما بعد تلك الحرب- رداً ساخطا وساخرا من تلك الادعاءات الجنوبية الانفصالية الحاقدة –بحسب التوصيف السياسي حينها- قائلاً: (( أن رموز البلاد الحاكمة بسلطاتها الثلاث لا تدير شؤون البلاد وفقا للانتماء الشطري الجغرافي لشاغلي المواقع الرسمية, بل وفقا لانتمائاتها الوطنية لليمن لا غير, و أن تلك الادعاءات مجرد سموم انفصالية تنفث بجسد اليمن الواحد..)).
كان يأتي هذا الرد بهذا الشكل المتشنج مع أن في تلك الادعاء الجنوبية شيئاً من الصحة,من المنطق الذي كان سائدا حينها: "هزمناكم هزمناكم..", وفي وقت كانت مؤسسات الدولة والمناصب ما تزال قائمة وبفعالية كبيرة مقارنة مع مؤسسات اليوم, ولها تأثير قوي على سير الأمور- بالأمر والنهي, والحل العقد- وبالذات في الجنوب وليس كالوضع الحالي الذي باتت فيه المناصب ومؤسسات الدولة مجرد وضع هلامي افتراضي بيد الغير’ ومناصب ليس لها تأثير يذكر في الجنوب قبل الشمال, بل أن أصحاب المناصب خارج البلاد أصلاً ولا يجرؤ أكثرهم العودة الى الجنوب ليمارسوا- احتلالهم المزعوم للشمال - لمعرفتهم أنهم غير مرحب بهم شعبيا بسبب ولائهم المطلق لليمن لا للجنوب.
اليوم انعكست الأمور وأصبح من كان ينفي هيمنة الشماليين بصفتهم الشمالية على الجنوب يؤكد هيمنة الجنوبيين بصفتهم الجنوبية على الشمال من خلال مناصب اليوم التي لا تغني ولا تسمن من جوع.مع أنهم يعرفون الفارق بين مناصب الأمس ومناصب اليوم,بين دولة الأمس وسطوة المسئول حينها الذي كان أبسط مسئول له شنة ورنة, وبين دولة اليوم وهشاشة دور المسئول فيها أكان جنوبيا أو شماليا.
فالجنوبيين الذي يهيمنون اليوم على دولة افتراضية لا يتصرفون بمواقعهم -على محدودية تأثيرهم من منطلق جنوبيتهم-,بل على العكس من ذلك فهم يمنيون ووحدويون أكثر من الشماليين بألف مرة, أو هكذا يحصرون أن يظهرون حتى يحتفظوا بمناصبهم الهلامية الفارغة- وإن كانت تدر عليهم أموال طائلة-. فالمسئول الجنوبي عودنا دائما أنه بمجرد الظفر بمنصب حتى وأن كان منصباً هزيلا يمزق جنوبيتهم ويخجل من ذكرها طيلة فترة وجوده بمنصبه, والأدلة بهذا الشأن لا تحصى من شخصيات جنوبية كانت أصواتها الجنوبية تملأ السمع والبصر وهي تتحدث بلسانٍ جنوبي مبين, لكنها ما تلبث أن تتخلى عنها مجرد إذاعة بيان التعيين الجمهورية والوزارية وتنتقل الى الضفة الأخرى وكلها شطح ونطح وحدوي قُــح عيار 24قيراط. أطرف ما بالأمر أن الذين يروجون حكاية سيطرة الجنوب على معظم مناصب الدولة هم أنفسهم من يقولون أن الرئيس هادي يقبع تحت الإقامة الجبرية بالرياض, وأن بن دغر وحكومته المسيطر عليه العنصر الجنوبي هي حكومة مطرودة, ولا حول لها ولا قوة.!
*خلاصة القول أنها حيلة للالتفاف على القضية الجنوبية بتصوير الأمر اليوم وكأنه طغيان جنوبي على الدولة ومؤسساتها ومواقعها,وأنه ظلم ما بعده ظلم. والغرض من كل هذا الزوبعة إيصال رسالة للداخل والخارج قبل المفاوضات المنتظرة نصها أن الجنوب قد أستعاد حقوقه كامله بل وأصبح قوة احتلال على الشمال. وتلك خديعة الطبع اللئيم,على قولة أبو الطيب المتنبي.