آثر جبهات القتال على أفراح العيد وصمد حتى يومه الأخير

الأستاذ علي يحيى.. قصة شهيد ترك القلم وحمل البندقية في الضالع

السبت 26 مايو 2018 04:55:00
 الأستاذ علي يحيى.. قصة شهيد ترك القلم وحمل البندقية في الضالع
المشهد / عادل حمران

 

يُقال بأن اليد التي تحمل القلم لا تحمل البندقية، ولكن الأستاذ علي يحيى الخيلي لم يكتف بحمل القلم لمدة ثلاثة عقود ونيف من حياته في السلك التربوي والتعليمي، بل حمل البندقية مسابقا طلابه وضباط السلك العسكري مهامهم، حينما ضاعت قيمة القلم في وطن منهك بالحروب والصراعات الداخلية.

يعد الأستاذ علي يحيى ناشر الخيلي المولود في مدينة العوابل بمديرية الشعيب - الضالع عام 1964م من أبرز الشخصيات الاجتماعية في محافظة الضالع، ومع اندلاع الشرارات الأولى للحرب بالضالع في مارس 2015 حمل الأستاذ يحيى بندقيته وانطلق صوب جبهات القتال التي ظل فيها مرابطا حتى تحرير المدينة نهاية مايو عام 2015م، وكان من أوائل المقاتلين الذين انطلقوا صوب محافظة لحج لخوض معركة تحرير معسكر العند الاستراتيجي.

بهدوء الأبطال عاد الأستاذ يحيى ووضع سلاحه وحمل مكانه كراريس طلابه وكتبه وشنطة سوداء تحوي أقلاما وطباشير، وبدأ يباشر مهام عمله الذي كان يؤديه قبل الحرب، فالمسؤولية لدى أمثاله التزام.

مع تحرير مدينة الضالع وتحول خطوط تماس المعركة إلى مدينة مريس الواقعة شمال مدينة الضالع على الحدود الشطرية السابقة لتوقيع الوحدة اليمنية، ومع أن المعركة هناك أخذت فصولا أخرى بانضمام فصائل وفرق بأيديولوجيات متناقضة إلا أن الأستاذ يحيى كان له رأي مخالف لكثير من الناس، حيث قرر المضي إلى مريس والمشاركة مجددا في القتال الدائر هناك بين المليشيات التابعة لأنصار الله من جهة وعناصر من المقاومة من جهة أخرى.

وحاول الأستاذ يحيى التوفيق بين مهامه التربوية والقتالية، فقد قرر قضاء أوقات الإجازات في الجبهة، ثم يتركها قافلا صوب قريته ومقر عمله مع بداية الدوام الرسمي.

مطلع سبتمبر 2017 وفي أول أيام عيد الأضحى المبارك، حمل الأستاذ يحيى سلاحه وقرر قضاء أيام العيد في متارس جبهة مريس، وظل مرابطا هناك حتى استشهاده ثالث أيام عيد الأضحى (الأحد 3/9/2017م).

 جرح غائر

زملاء ورفاق الأستاذ يحيى وعلى الرغم من توقعهم تلقي نبأ استشهاده في أي وقت، لكن الحقيقة والنبأ لهما وقع مختلف تماما لرجل حضوره مختلف وفقده يجب أن يكون كذلك.

مدير التربية في مديرية الشعيب محمد علي العيسائي أثنى كثيرا على التربوي الشهيد يحيى الخيلي، وقال "لقد كان الأستاذ علي نموذج تربوي فريد اخلاقا وسلوكا ومعاملة، وهو من قضى ثلاثة عقود من حياته في خدمة التعليم داخل المديرية تقلد خلالها مناصب كثيرة عديدة وعمل بكل تفان من أجل نجاح العملية التعليمية في الشعيب".

وأضاف  "علي ورغم كبر سنه إلا أنه كان معلما يتميز بالنشاط والمثابرة، وكان حريصا على نجاح مهامه التربوية ولم تثنه واجباته التربوية عن المشاركة في جبهات القتال.

وكان يقضي أيامه بين خنادق القتال وقاعات التعليم، ويحاول استغلال وقته والمشاركة في جبهات التعليم ومتارس الحرب".

وعد أبناءه بالعودة لكنه عاد جثة فوق الأكتاف

شكل موته ثالث أيام عيد الأضحى صدمة كبيرة في قلوب أسرته ورفاقه، حيث أخبر زوجته وأبناءه بأنه سوف يرابط عدة أيام خصوصا وأن عددا كبيرا من الشباب المرابطين في الجبهات غادروا مواقعهم من أجل قضاء إجازة العيد بجانب أهاليهم، لكنه خاف أن يستغل الأعداء خلو الجبهات من المقاتلين والتقدم صوب مواقع المقاومة.

تحدث مالك نجل الشهيد لموقع (المشهد العربي ) بالقول: "غادر أبي نحو قعطبة لزيارة عمتي هناك ثم علم بأن عدد المرابطين في الجبهات محدود فأخبر قادة المقاومة هناك بضرورة تعزيز الجبهات خصوصا وأن هناك هجمات متقطعة على جبهات المقاومة".

وأضاف مالك: "كان أبي حريصا على سعادتنا وعدم خوفنا عليه، فعند اتصالي به قبل استشهاده بساعات قال لي بأنه سيمكث عدة أيام في الجبهة وسوف يعود إلينا- ذرف دموعه بحزن وقال- ولكنه لم يعد إلا جثة فوق اكتاف المقاتلين".

لم يكن يعلم بأنه سوف يستشهد في أيام العيد، ولكنه كان يتوقع بأنهم أمام معركة ليست سهلة، فليس لديهم خيارات غير النصر أو الشهادة، خصوصا وأنه كان يرى بأن جبهة مريس الواقعة شمال محافظة الضالع وخارج حدود دولة الجنوب تمثل ظهر الضالع، ودون الدفاع عن الجبهة ستبقى الضالع في خطر، وكان يرفع من معنويات المقاتلين في جبهة مريس بالمشاركة معهم محاولا دعمهم وإسنادهم بالمقاتلين من مديريات الضالع التي تقع في إطار حدود دولة الجنوب السابقة.

يتحدث أحد قادة جبهة مريس المقاوم صادق العمري لموفع "المشهد العربي  "كنّا مرابطين في جبهة يعيس وكان الأستاذ علي معنا، وكانت هناك معارك ضاربة وهجمات كثيفة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة شنتها المليشيات الحوثعفاشية ضدنا، وكنا متمترسين وراء أكوام ترابية وحجرية وليس بيننا وبين متارس العدو مسافات كبيرة، وبينما كنّا نتبادل النار مع العدو حاول الأستاذ علي إظهار راْسه ورصد تحركات العدو لكنه تناسى بأن عيون العدو كانت تحرس تحركاتهم جميعا ولم تمض ثوان قليلة حتى أطلقت مواقع العدو عدة طلقات إحداها صوب رأس علي يحيى، اخترقت جبهته ولم نر إلا دمه ينهمر".

وأضاف العمري: "حاولنا إسعافه إلى مستشفى النصر في محافظة الضالع لكنه كان قد توفي".

التشييع المهيب الذي حظي به جثمان الأستاذ علي الخيلي يدل على مكانته الاجتماعية ومدى حب الناس له، حيث حضر مراسم التشييع محافظ الضالع حينها فضل الجعدي ومدير عام الشعيب عبدالجبار السقلدي وعدد من قادة الجبهات ومشايخ وأعيان المحافظة وجموع غفيرة من المواطنين.