سلطة (الطقم)

يسمون الصحافة في البلدان الديمقراطية (السلطة الرابعة) ذلك انها واحدة من اهم وسائل المجتمع في التعبير والرقابة على اداء باقي السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهي تتمتع بقدر من الحصانة كتلك التي لباقي السلطات، وغني عن القول ان اليد الطولى هي لسلطة القضاء، فأوامر القضاء واجبة النفاذ على باقي السلطات بما فيها السلطة الرابعة.

في ديمقراطيات (النص كم) يتمتع (الطقم) بسلطات اوسع ويكاد يحتل السلطة الاعلى، فالطقم يخترق الحواجز ويخالف قواعد المرور ويعتدي على حريات الناس وحقوقهم التي تكفلها القوانين والتشريعات ويمكن للطقم ان يطال حتى رجال القضاء والنيابة، وتراكم في وجدان الناس طوال سنوات الوحدة ان (الطقم) هو سيد المشهد، وعندما تقود سيارتك ورأيت ان خلفك (طقم) فأنت، لا اراديا، تفسح له الطريق كما تفعل في حالة مرور سيارة الاطفاء او الاسعاف او المواكب الرسمية.

كنت ذات صباح في طريقي لحضور احدى الندوات في خور مكسر وفي جولة (ريجال) حين كنت في صف السيارات ننتظر فرصة المرور شعرت باصطدام احدهم بسيارتي اصطدام خفيف وكان (طقم) فتوقفت في طرف الجولة وتوقف الطقم بجانبي وقال لي الراكب في مقدمته.. العفو منك لا تقول ان المقاومة صدموني وهربوا.. ثم غادر.. صحيح ان سيارتي لم تتضرر لكن غريمي راكب(طقم) ولا سلطة على صاحب الطقم، ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد كنت والصديق العزيز عبدالكريم السعدي، الكاتب الصحفي، نشرب الشاي في كافتيريا مقابلة لادارة الهاتف في المعلا حين فاجأني قائلا.. لن يسمعنا احد الا اذا امتلكنا (طقم)...فقلت له.. ولكن الطقم بحاجة الى نفقات لا نملكها.. فقال لي.. نوفر الطقم والطقم با يجيب الباقي.. فضحكنا.. وعندما قلت له .. اقلامنا اطقمنا.. قال .. القلم تحت عجلات الطقم.

الطقم الذي اعترض طريق الزميل فتحي بن لزرق واقتاده الى المحبس ذكرني بواقعة حدثت معي في 1995 عندما اعترض طريقي احد المشاة وعندما توقفت صعد في السيارة اثنين عساكر وطلبوا مني التوجه الى التواهي وهكذا مكثت في سجن انفرادي لمدة اسبوع ثم افرجوا عني (ذات مساء ممطر) وسلموني سيارتي دون ان توجه لي اي تهمة سوى بعض الاسئلة التي لم اجد جوابا على اكثرها، لم يكن معهم طقم لكن سيارتي تحولت الى طقم بمجرد صعود العسكر فيها على طريقة (air force one) في العرف الامريكي.

كنت اهاتف الاخ فتحي بن لزرق قبل يومين من واقعة حبسه واذكر اني قلت له انت اكثر صحفي جنوبي تثير منشوراته جدلا، مثلما ان صديقنا الوزير احمد الميسري اكثر سياسي جنوبي تثير تصريحاته جدلا، لكن في كثير مما تقولونه صحيح، فلا الانتقالي ولا الحكومة ولا باقي القوى الجنوبية ملائكة، كلنا بشر ولنا اخطاء، والاشارة الى الاخطاء ليس معيبا طالما كان في حدود النقد الخالي من الشوائب المسيئة، والصحافة هي الاسلوب الحضاري الذي يعالج خلل المجتمع وهي الوسيلة السلمية الارقى للتعبير عوضا عن التعبير العنيف.

مثلما نحن بحاجة الى سلطة الصحافة كمجتمع حضاري يدخل العصر، فأن (الطقم) حاجة امنية لا غنى عنها لمواجهة الاعداء، لكنه يجب ان يكون طقم مكبل بالقانون في مواجهة المواطن، وعلى الاجهزة ان تملأ عقول افرادها بحقوق المواطن وحدود السلطات قبل ان تملأ اطقمهم بالذخيرة والمؤن حتى لا نتحول الى غابة يتسدها (الطقم) كملك فوق القانون.