الأثرياء الجدد..!

سطوة الفساد إثر ثورات «الربيع العربي» بلغت درجة غير مسبوقة في تاريخ البلدان التي آلت أوضاعها إلى الخلط والفوضى. تلك البلدان التي كانت في الأصل تعاني من الفساد إلا أن فساد ما بعد ثورات الربيع العربي بدا ماحقاً، وهذه المرة ايضا باسم الوطن والوطنية، أي أن المخلصين الجدد في الكثير من تلك البلدان اصبحوا من الاثرياء الذين تتصدر أرقام ما جمعوا من مال ما عرفناه عن أسلافهم. علاوة على ما استجدت من ممارسات بشعة وعنصرية، الحال الذي أفصى إلى زيادة تعقيد المشهد السياسي.

العراق الشقيق دون شك يتصدر النموذج الأسوأ في تلك البلدان.. الحال الذي دفع أبناء العروبة لمواجهة بؤر الفساد ويجاوز الطائفية المقيتة التي كانت السبب الرئيس في كل تلك الممارسات، وما حدث في الانتخابات الأخيرة من تزوير فاضح يلخص مأساة الأشقاء في بلد لديه الكثير من الموارد والإمكانيات. المماحصة الطائفية التي هي عمق الخلل والداء وعبرها تكونت مليارات العائدات لدى الفاسدين، من أجل ذلك كانت فكرة تزوير الانتخابات سبيلاً للمحافظة على مراكز الفساد التي تحصلوا عليها خلال الفترة الزمنية الماضية.

ولا يمكننا أن نحكم بإمكانية تجاوز الوضع القائم لدى الأشقاء في العراق حتى اللحظة، فالعراق، ذات الغنى النفطي، يعاني وبشدة من غياب خدمات الكهرباء ومشكلة أعمق في المياه رغم أن العراق من البلدان العربية الغنية جداً بالمياه بحكم وجود نهري دجلة والفرات إلا أن سنوات الفساد أصابت العراق في مقتل.

وبما أننا جزء من هذه البلدان التي مر بها طيف الربيع العربي الذي تبخرت آماله تماماً، نعاني في هذا الجزء من العالم من مشكلات اقتصادية عميقة للغاية تتصدرها الخدمات بصورة عامة، وكل ذلك مرتبط دون شك بحالة الفساد التي تعاظمت تماماً إثر غياب الدولة والمحاسبة.

مشكلاتنا متنوعة على كل صعيد ولا يوجد في الأفق ما يوحي بالتعافي، فالوضع الاقتصادي عموماً غاية في التردي، ناهيك عن حالة الشلل التام في الاقتصاد والمداخيل وغياب فرص العمل.
الأدهى مما سلف أن حالة الفقر كاسحة وحالة انهيار العملة متواصلة وسعر النفط متحرك بصورة ماراثونية، هذا الخلل الاقتصادي من غير الممكن تجاوزه وفق مؤشرات الوضع الراهن، فعلاوة على ما نعاني من ندرة العائدات وانتشار البطالة، نعاني من صور فساد ساحقة آخذة بؤرها في التزايد كلما غابت الحلول.. ما يعني أننا إزاء تحديات كبيرة للغاية، آملين أن لا تصل الأمور الى درجة انتشار المجاعة بصورة تلغي ما بقي لدينا من أمل بحياة كريمة.

عموماً تكونت خلال سنوات الحرب طبقات أثرياء وفاسدين جدد وحالة انتشار على الموارد العامة غير مسبوقة، وهي أوضاع ما كان لها أن تكون لو أن المعالجات أخذت نسقا منذ البداية باتجاه تطبيع أوضاع المناطق المحررة التي تُرِكت أوضاعها تتحول من السيئ إلى الأسوأ،

مع غياب عوامل الاستقرار المعيشي وتدهور الخدمات وسيادة الفوضى في مجمل جوانب الحياة.
عموماً وجد الأثرياء الجدد في هذا الوضع المثالي ضالتهم، وهم بصدد إطالة أمد الحرب واستمرار الفوضى. ​