لهذا تبدو أزمتنا معقدة!

هي دون شك من الأزمات المركبة والمعقدة إلى حد بعيد، بل هي نتاج أخطاء تراكمية ومعطى طبيعي لفكرة الاستحواذ على السلطة لعقود مضت، وتجيير كل شيء لمصلحة الحاكم ونتاج تزوير الحقائق والتاريخ، ما يجعلها تبدو أزمة مركبة.. حتى أن البعض يذهب إلى درجة استحالة الوصول إلى آفاق سياسية لحلها.

في حين أن الأحزاب - التي هي في الأصل سبب أساسي لهذه المآلات - مازالت في ردهة الانتظار على أن تجني مكاسبها السياسية وفق أجندة ما قبل الحرب، رغم أن الحقيقة تقول إن ما بعد الحرب ليس كما قبلها..

إلا أن تاريخ تلك الأحزاب لا يشير إلى قدرتها على التعاطي مع الوضع السياسي على الأقل وفق سياسة فن الممكن، فهي ترى نفسها وريثاً شرعياً للحكم وفق قواعدها البالية، أي خارج من الخسارة داخل في الفوائد التي يمكن أن تتضح صورتها عقب انتهاء العاصفة، رغم أن فكرة العودة إلى مربعات الماضي مستحيلة، لا من منظور المعطيات على الأرض، بل بما خلفت سنوات الحرب من تداخلات لا يمكن معها - وبأي حال - معالجة النتائج بالأسباب..

وبالمجمل، تعقيدات المشهد اليمني عموماً لا يعني تحقيق مكاسب سياسة لتلك القوى والأحزاب التي تتطلع إلى السلطة بنفس أدوات الماضي وعقلياته.. من هنا تبدو مهمة المبعوث الأممي مارتن جريفيثس إلى اليمن من المهام المعقدة إن لم تكن المستحيلة وفق معطيات عدة منها، بل من أبرزها، غياب الإرادة السياسية لدى أطراف النزاع تماماً، وغياب التوافق السياسي ولو النسبي، لأن كل طرف ينطلق من مفهوم حساباته ويمارس المكر السياسي بدهاء من أجل زيادة تعقيدات المشهد.

ما يجعل رحلات المبعوث الأممي المكوكية إلى اليمن غير مقترنة بنجاحات ملحوظة على المدى القريب.. فالحرب وآثارها المدمرة والاقتصاد المنهار وحالة الفوضى العارمة التي يعيشها اليمن عموماً، هي مطية تلك القوى والأحزاب التي تمارس منطق «الغاية تبرر الوسيلة».
كما أنهم ليسوا طرفاً في دفع فاتورة الحرب وفق كافة المعطيات، ولا على عجلة من أمرهم في إنهاء تلك الحالة العبثية التي هي في الأصل نتاج ممارساتهم السابقة.. فالدماء التي تسيل لا يرون أنفسهم مسؤولين عنها، لا من قريب ولا من بعيد!

إلا أن فكرة تحقيق المكاسب السياسية في نهاية المطاف هو ما يعملون عليه، بل هم في انتظار أن تضع الحرب أوزارها للرمي بثقلهم الوهمي في مسار العملية السياسية التي يتطلعون من خلالها إلى جني ثمار المأساة التي دفع الشعب أثمانها الفادحة بمأساة أشد وأنكى.
تلك هي خصوصية الحالة اليمنية منذ زمن ما قبل الحرب، ولم يستجد في الوضع شيء مغاير عبر سنوات الحرب ومعاناتها، الحال الذي يقتضي من المبعوث الأممي الجديد لليمن الاستماع إلى أصوات كثيرة خارج نطاق تلك الدهاليز السياسية التي لا تمتلك جديداً تقدمه، إن لم تكن سبباً أساسياً في جعل الحلول تبدو غير ممكنة من منظور حاجتها لإطالة أمد الحرب من ناحية، وتعقيدات الوضع الاقتصادي المؤدي إلى الفوضى العارمة من ناحية أخرى.

وخلاصة القول، إن تعقيدات الأزمة اليمنية ليست في عقليات الشعب - شمالا وجنوبا - بقدر ما هي تكمن في مكر الأحزاب السياسية والنخب التي ترى حالها وريثة السلطة، وهذا كل ما لديها.. لذلك فهي ترى استحالة الحلول من منظور ما لديها من هواجس الخوف بعدم عودتها إلى الواجهة بنمط فكرها التقليدي المتجاوز لإرادة الجماهير بفجاجة مطلقة. ومما لا شك فيه أن هناك فرقا بين من يبذلون كل جهد في سبيل إنهاء الحرب والمعاناة، وبين من يعدون أنفسهم للعودة إلى الواجهة.​