بالغش يا وزير التربية

ارتبطت امتحانات الثانوية العامة في سنوات الثمانينات بحدث غاية في الأهمية ينتظره الأهالي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك في كل عام على أحر من الجمر، وهو إعلان نتائج الامتحانات والفائزين والراسبين علنا عبر إذاعة عدن، وكان الأمر بمثابة تقييم علني وتكريم لآباء وأمهات ومعلمي الطلاب المتفوقين وتوبيخ لذوي الفاشلين على الملأ.

كانت الحركة تتوقف في عموم محافظات الجمهورية والجميع يلتفون في منازلهم حول جهاز الراديو ليبدأ المذيع إعلان أسماء الطلاب والطالبات ونتائجهم في المحافظات والمديريات تباعا، ومع كل إعلان ترتفع أصوات الزغاريد والتهاني في البيوت والحارات فيما يخيم الحزن على أهالي الراسبين.. كان أمرا جلل، فلا شيء حينها كان أهم من الحرص على تقديم التربية الفاضلة والعلم الناجح للأجيال الناشئة، وبلغ هذا الاهتمام أقصى مداه بتولي الرئيس "علي ناصر محمد" منصب وزير التربية والتعليم فكان ولا يزال أول رئيس جمهورية جمع ما بين منصبي الرئاسة ووزارة التربية.

وعلى النقيض تماما نعيش اليوم في الجنوب مشروع تجهيل وتدمير متواصل للأجيال تربويا وتعليما، وتجلت إحدى مشاهد ذلك التجهيل الممنهج بإعلان مسؤول في وزارة التربية والتعليم يوم أمس عبر أثير الإذاعة تهانيه الحارة بتحقيق نتائج مرتفعة في امتحانات الثانوية العامة في المحافظات الجنوبية وباقي المناطق المحررة بامتحانات هذا العام.. فبماذا يهنئنا حضرة المسؤول التربوي المحترم بعد أن تم بيع أسئلة الامتحانات للتلاميذ في سابقة خطيرة لم يشهدها الجنوب حتى في عهد المخلوع عفاش؟! أم أنه يهنئ الجنوبيين بتخريج دفعة جديدة من الغشاشين بامتياز لتزيد في المعاناة التي تكابدها عدن ومحافظات الجنوب اليوم نتيجة تلاشي القيم والأخلاقيات وتسيد الفوضى والبلطجة والجهل؟! وأين ذهبت تصريحات وزير التربية والتعليم بتقديم المسؤولين عن تسريب وبيع أسئلة امتحانات الثانوية العامة للمحاسبة والعقاب؟ ولماذا تراجع عن إلغاء نتائج الامتحانات وإعادتها بعد أن أكد علنا في الصحف بأنها امتحانات سادها الغش العلني ووصل الأمر بالمراقبين على عديد من المراكز الامتحانية حد الامتحان بدلا عن الطلاب مقابل مبالغ مالية بينما كان الطلاب الآخرون يتلقون الإجابات النموذجية عبر الواتس آب بهواتفهم الجوالة التي سمح لهم بإدخالها إلى قاعات الامتحانات.

كان الأجدر بوزارة التربية والتعليم أن تعمم لمسؤوليها بالتزام الصمت عند إصدارها نتائج (امتحانات الثانوية العامة التغشيشية)، فليس من التربية والتعليم أن يشيد القائمون على وزارة التربية والتعليم بنتائج هي في الحقيقة حصاد غش مخزٍ وبيع غير مسبوق لأسئلة الامتحانات وإملاء للإجابات بالواتس آب.

هنيئا لوزارة التربية والتعليم النتائج المبهرة لـ(امتحانات الثانوية العامة التغشيشية).. ولا عزاء لعدن والجنوب وقد استقبلوا دفعة جديدة من أجيال الجهل والغش، الذين تعلموا كل شيء في مدارسنا الحكومية عدا شيئين اثنين فقط لم يكونا ضمن المقرر الدراسي وهما التربية والتعليم!.