رفع الأجور ليس حلا

غالبا ما ترتبط المعالجات الاقتصادية عند رفع سعر العملات الأجنبية أمام العملة المحلية بزيادة الأجور، والتي كانت تتم بصورة وهمية لا تسمن ولا تغني، فكل ما في الأمر تهدئات النفوس وتمرير الارتفاعات، وهذا ما عهدناه في المعالجات المتخذة في بلادنا والتي لا تأتي عادة على الأسباب الأساسية لهذا الخلل العميق الذي ولد وضعاً اقتصادياً يصعب تجاوزه، خصوصاً وقد شهدنا مؤخراً تهاوي غير عادي لسعر العملة المحلية. وما هو مسموع حاليا أن من ضمن المعالجات رفع الأجور.

السؤال المنطقي ماذا يمثل هذا الحل لو اتخذ في وضع بلد نسبة البطالة فيه تفوق الـ80 % إن لم تكن قد تعدت ذلك بكثير، فعلى مدى عقود خلت لم يتم توظيف كافة خريجي الجامعات ولا فرص عمل تذكر، ما ولد بطالة غير عادية في مجتمعنا، فما جدوى المعالجة برفع الأجور التي قد لا يتجاوز أثرها النسبي عدد قليل من السكان الموظفين.

الحكاية أكبر من أن نفسر على هذا النحو، حجم البطالة مدهش بل مروع للغاية، ومعالجات من هذا النوع لا تشكل أدنى تبدّل في واقع الحال، بمعنى أننا إذا ما انتهجنا هذا السبيل نتجاهل شرائح المجتمع الواسعة التي دمر الغلاء الفاحش قدرتها على توفير أدنى متطلبات الحياة، ناهيك عن حالة الاختلالات الواسعة في المجالات الخدمية بصورة عامة ما ألقى ثقلاً جديداً على السكان جراء غياب الخدمات التي كانت قبل عقود شبه متوفرة، مثل المياه والكهرباء والصحة والتعليم.

وعلى سبيل المثال غياب توفر طاقة كهربائية كافية ولد معاناة من نوع آخر لدى من يديرون أمور حياتهم عبر ممارسة بعض المهن والأنشطة التجارية التي أصبحت شبه معطلة، ناهيك عن حالة تردي الأوضاع الصحية جراء غياب الخدمات الطبية بصورة عامة وانتشار الفقر المصحوب بالأوبئة، ومشكلة المياه مثلاً واحدة من أوجه المعاناة لدى شرائح واسعة، يقابل ذلك نقص في النظافة العامة والخاصة، وأخيراً تُوّج الحال بما يعانيه السكان من نقص مخيف في الأغذية.

إذن واقعنا أمام مستجدات كثيرة لا يمكن أن يأتي الحل عبر زيادة الأجور، بمعنى أدق كيف يعيش السواد الأعظم من السكان ممن لا مداخيل لهم ولا فرص عمل؟!.. علاوة على عودة أعداد هائلة من هؤلاء من بلدان المهجر خصوصاً من دول الخليج، ما جعل الكثير من الأسر تفقد مصادر الدخل التي كانت تعتمد عليها.

واقع يدعو السلطات - إن كانت جادة - للأخذ بالأسباب التي أدت إلى ما نحن عليه وتجاوزها بعقلية اقتصادية وليس عبر فقاعات معالجات وهمية، لأن الأمور بالغة السوء والتصعيد والمجاعات حتمية، إذ لم يتم تلافي الحال بمسؤولية وصدق.​