السعودية ستنتصر في المعركة

في المواقف الصعبة تظهر شخصية القيادة السعودية بصلابتها وقدرتها على تجاوز المنعطفات الصعبة، وكلما استعدنا قراءة التاريخ السعودي وجدنا هذه القدرة على تطويع الظروف لمصلحتها. يقول التاريخ إن السعوديين تعرضوا لأكبر عملية إرهابية على الإطلاق عندما اقتحم الإرهابي جهيمان العتيبي الحرم المكي عام 1979، ودون تلك الحادثة الكبيرة يبدو أن كل الحوادث الأخرى التي تستهدف السعودية هي أصغر وأقل حجما مهما تعاظمت، فتلك الحادثة كانت وستبقى أخطر ما يمكن أن يتهدد أمن السعودية وسيادتها، وكانت القيادة السعودية ستخسر تلك المعركة لولا إيمانها بقدرتها على الانتصار وهذا ما جرى مع كل الحوادث التالية لها.

لا يتجاوز التاريخ السعودي غزو العراق للكويت فهو من الحوادث التي يمكن دائما الاستدلال بها على قدرات القيادة السعودية، فلقد أظهر الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز صبرا وحكمة في احتواء الحادثة وتعاملا صارما أكدت فيه القيادة السعودية أنها لا يمكن أن تتزحزح عن ثوابتها. خاضت معركة شرسة وتعرضت لأصناف شتى من الهجوم على كافة المستويات فلقد غدر بها الأصدقاء وثبت معها الأوفياء وخرجت منتصرة بعودة الكويت إلى أهلها.

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 خاضت السعودية واحدة من المعارك الواسعة لم تنته حتى وهي تخوض معركة على أرضها وهي تواجه هجوما إرهابيا كبيرا من تنظيم القاعدة، تكررت العمليات الإرهابية في مختلف المدن السعودية وتعاملت القيادة السعودية بما تمتلك من صبر وثبات وتعامل أمني وتحشيد وطني داخلي، ولم تتوقف تلك المعركة بغير انتصار القيادة السعودية وبهزيمة الفئة الضالة التي راهنت عليها قوى الشر في أن تهزم قيادة سعودية أثبتت أنها على مستوى التحديات وإن كانت تحديات عسيرة وصعبة.

ولم تكن مرحلة الرئيس الأميركي باراك أوباما مرحلة عادية عندما غيرت الولايات المتحدة تحالفاتها ودعمت تيارات الإسلام السياسي، سنية وشيعية على حد سواء، ففيما دعمت ثورات الربيع العربي في 2011 التي استهدفت إسقاط الأنظمة العربية عقدت مع إيران الاتفاق النووي ومنحتها مليارات الدولارات التي سخرها النظام الإيراني في الهجوم على السعودية وإسقاط العواصم العربية الواحدة بعد الأخرى.

حسمت القيادة السعودية أمرها واتخذت القرارات الكبيرة فتدخلت لدعم مملكة البحرين، وخاضت المعركة الأشرس عندما قررت استعادة الدولة الوطنية المصرية فكان الدعم المطلق لثورة 30 يونيو 2013 معركة لا تقبل القسمة على اثنين، بما تمثله استعادة مصر من قبضة الإخوان المسلمين والقوى الداعمة لها وإن كانت الولايات المتحدة، فهذه معركة مصير ليس للسعودية وحدها بل للعالم العربي الذي كانت أركانه تهتزّ والنيران تشتعل في كافة زواياه.

لم يكن مستغربا أن تقف القيادة السعودية في مواجهة الحملة الشرسة التي انطلقت في حادثة اختفاء الصحافي جمال خاشقجي بذات القدر من الثبات والصبر والقوة، فهذا ما اعتاد عليه السعوديون في تاريخهم، فحادثة اختفاء خاشقجي التي قامت على أدلة افتراضية وبتوجيه اتهامات عبر اختلاق روايات لا تملك أرضية مادية في تسييس لقضية إنسانية عملت عليها قناة الجزيرة القطرية، إضافة إلى عدد كبير من الوسائل الإعلامية التي كرست الافتراضات على أنها أدلة قاطعة، وقد اتضح من خلال قضية خاشقجي ما ظل يحدث منذ سنوات من غياب المهنية والأجندة المسبقة في وسائل الإعلام التي تدار من قبل جماعة الإخوان المسلمين.

ووظفت المؤسسات كافة طواقم العاملين بها لبث التغريدات المزيفة، التي يُسارعون لحذفها بعد أن يكتشفوا أن الكذبة لم يتم حبكها بالشكل السليم. وحاولت المؤسسات الإعلامية القطرية والتركية تحويل اختفاء خاشقجي إلى قضية تشغل الرأي العام في بلدانها، جراء الإخفاقات المحلية التي تمرّ بها سواء في قطر أو تركيا.

ابتزاز السعودية سياسيا عبر اختلاق قضية قتل مفترضة واختطاف مفترضة وشهادات مفترضة، لن تتجاوز أن تحقق أهداف قوى الشر المتربصة بالسعودية، فهذه واحدة من المعارك التي تتطلب شجاعة في مواجهتها وقدرة غير عادية في التعامل معها، حتى وإن تمّ تسخير كل الفضاء الإعلامي لبث السموم وتلبيد الأجواء بغيوم سوداء، فكل ما يحدثه الإعلام يبقى مجردا من أدلة ويبقى فارغا متى ما غابت تلك الأدلة المادية القاطعة.

ستتجاوز القيادة السعودية أزمة خاشقجي كما فعلت في محطات تاريخية أقدم، والأهم في هذا النطاق أن تدرك القوى المعادية أن عمود الخيمة العربية سيبقى ثابتا لن يهتزّ أبدا، ففي هذه الصحراء دولة لها وزنها السياسي ورصيدها الكبير من المؤمنين بأن السعودية لن تكون وحدها وهي تواجه المأزومين والمريدين بها شرا، فمعها سيقف الأوفياء الذين يحفظون لهذه البلاد أنها كانت وستبقى ملاذا للخائفين الذين آمنتهم من خوف وأطعمتهم من جوع.