إعلام الحبة والقبة..!

* التذكير بأننا في خضم هذه (الغاغة) السياسية نحتاج إلى وضع علاقة الإعلام بمختلف تشكيلاته في إطارها الأخلاقي القائم على (الندية) وليس (التبعية)، تذكير مهم يشير إلى حقيقة أن اللعثة والسوس نخرت منسأة الإعلام إلا من رحم ربي.

* وبصراحة لن نعدم ترجمتها على أرض الواقع، فإن لهث الصحفي وراء (الأحزاب) بالتبعية العمياء، مذلة ما بعدها مذلة، تنقله على الهواء مباشرة من خانة الموجه والمرشد إلى رف التابع الأمين الذي يهز رأسه، وفي رواية أخرى يحرك ذيله.

* الصحافة السياسية في اليمن، وفي ظل هذه الفوضى غير الخلاقة، نوعان: نوع يشحت ليعيش، ونوع ينافق ويستميت في الدفاع عن توجهات حزبه حتى لو كان هذا الحزب أو ذاك يدعو إلى تكريس العداوة والبغضاء.
*
وبصراحة أكثر، إذا لم يؤدِّ الصحفي السياسي دوره في نقد السياسات والممارسات الحزبية المغلوطة، فمن يمكنه أن يؤدي هذا الدور..؟
* إذا كان الإعلامي لا يوجع فاسدا ولا يخيف ناهبا ولا يرعب شيخا نافذا، فمن الذي سيحدّ من خطورة (تسييس) المجتمع والدفاع عن قيم البني آدمين؟
* من يتمعن في الخطاب الإعلامي الرسمي سيكتشف ببساطة أنه خطاب مشحون ومتزمت، يتعصب للغة السياسيين البلهاء دون وضع اعتبار للمتلقي الذي لم يعد غبيا وموجها ويفهم كل النوايا المكتوبة والمقروءة وهي طائرة.

* وجهت دعوة للأخ (معمر الإرياني) وزير الإعلام تهدف إلى غربلة الإعلام الرسمي، وتبني خطاب سياسي ناعم يوحّد القلوب ولا يفرقها على بائع المرق.
* قلت له: إن الخطاب الاستفزازي المناهض لحقوق الجنوبيين يوسع دائرة الكراهية، فكل مذيع فضائي يتبنى فكرا أنانيا ستخرج الحبة من فمه قبة، ومع كل تشنج في الخطاب الرسمي ستكون ردود أفعال الناس حادة وجافة.

* لازلت أرى أننا بحاجة إلى خطاب إعلامي مستقل فكرا وسلوكا، يكشف العورات ويمارس دوره في النقد وطرح الحلول التي تفرمل أعصاب شعب لم يعد يرى في الخطاب الإعلامي سوى نافخ في كير الفتن والمناطقية القبيحة.
* في هذا الاتجاه اسمحوا لي أن أبدي إعجابي الكبير بجرأة وصراحة الأخ (فهد طالب الشرفي) مستشار وزير الإعلام الذي خرج عن منظومة الصلف والتجبر بصورة عقلانية أعادت لنا الأمل في قراءة سطور الحكمة الشهيرة حيث رقة القلب ولين الفؤاد.

* قال (فهد) لافضّ فوه: لنستمع لأصوات الجنوبيين الذين حاربوا وانتصروا، لنجلس معهم على طاولة واحدة، نتناقش ونتحاور، ولندع لهم حرية الاختيار وتقرير مصيرهم.

* مشكلة الإعلام الرسمي والحزبي- يا معالي الوزير (معمر الإرياني)- أن إعلامييه يمجدون السياسي الفاشل، يزينون له الخطأ في مصادرة الحقوق، ويمارسون مع خطاباته القمعية السيئة التطبيل والتزمير، وهو أمر يضاعف من بلاهة الإعلام ويقلص حدود تأثيره الوطني على النباهة.

* وكلا، ليس المسؤول الفاسد هو المستهدف فقط من فرسان ضمير الأمة، بل حتى السياسة الحكومية إذا كانت تتبنى الباطل وتساهم في تكريس ثقافة التغيير بالتدمير.

* أعرف أن أحوال الصحفيين في (التنك)، وهم وجدوا أنفسهم بين مطرقة التبعية وسندان السياسة المقلية، لكن هذا ليس مبررا كافيا لأن يعتنقوا خطابا ملغوما يمسخ قداسة رسالتهم الإنسانية.
* الإعلام الذي يدخل جيب (شيخ) أو ينام في خزينة حزب، لا يصلح لأن يكون مرشدا وموجها، ففي هذه الحالة سيتحول من حمامة سلام تدعو للتواصي بالحق والتواصي بالصبر إلى بومة شؤم تنعق للشر..!​