وقف الحرب

ربما أدرك العالم متأخراً أن هناك مأساة إنسانية في اليمن مع ما ترتبط بها من تبعات حياتية أصبحت عميقة بعد أربع سنوات من الحرب. هكذا هو حال الضمير الإنساني العالمي الذي كعادته يأتي متأخراً وبعد أن بات حجم المأساة مروعا.

الحال الذي دعاهم للمضي باتجاه وقف الحرب ودعوة كافة الأطراف للتفاوض سبيلاً لحل المشكلات القائمة.. وهو طريق كان بمقدور العالم أن يضغط باتجاهه دون أن نمر بحرب أربع سنوات كلفت آلاف الضحايا والجرحى وخلقت وضعاً إنسانياً يصعب وصف نتائجه المروعة على كافة الصعد الحياتية. غياب الاهتمام الدولي قابله دون شك التعامل غير المسؤول والإنساني من قبل بعض أطراف الصراع والتي اعتبرت عبثية الحرب سبيلاً لتحقيق مآرب سياسية لا تتصل بحل مشكلات الواقع من منظور واقعي يتجاوز أساليب الماضي وأدواته التي أدت إلى ما نحن عليه.

وقف الحرب بات ضرورة ملحة للعالم وطوق نجاة لشعب أنهكته الحرب ودمرت آمال وتطلعات أبنائه بعد أن بات الأغلبية من سكانه تحت خط الفقر وعلى مقربة من مجاعات مروعة وفق الكثير من المؤشرات..

فهل يسعى المجتمع الدولي- وهو الطرف الذي يمسك بأطراف اللعبة القائمة- إلى وضع حد لمعاناة اليمن عموما، بحيث يكون البناء في الحلول السياسية القادمة على أساس معطيات الواقع وما تكشف على مدى عقود إثر المشاريع التي لم تستقم على أدنى أسس العدل والواقعية.

نعم، الحرب لم تُوقف بعد، بينما كل طرف يرمي بأوراقه باتجاه التسويات القادمة، وهي في معظمها أوراق من عباءة الماضي لا تحمل في طيّها ما يشير إلى أدنى تبدّل في المفاهيم ولو من منظور ما شكلت الحرب من آثار اجتماعية ونفسية.. هذا الاستحضار للماضي بكافة أدواته ومفاهيمه البالية لا يشير مطلقاً إلى إنجاز حلول سياسية عادلة إن لم يكن تكرارا واضحا لطرق الحكم العقيمة التي أنتجت هذا الواقع المؤسف والمشوّه بكارثية مسالكه التي خلفت كل تلك الأعداد من الضحايا.

وما أن أشار المجتمع الدولي بضرورة وقف الحرب حتى أخذت تلك الأبواق الإعلامية تمضي باتجاه وضع العراقيل تجاه ذلك.. ولو أنها من منظور لا يشير صراحة إلى ما يضمرون من مكر.

وهنا يبرز التساؤل المنطقي: هل وقف الحرب يأتي مصحوبا بتسويات سياسية عادلة أم أنه وقف لحظي تعقبه دورات صراع قادمة إذا لم تأخذ عوامل التسوية بحق كل طرف. ثم إن ما حدث على مدى سنوات الحرب وما قبلها هو نتاج الأخطاء السياسية الفادحة وحالة تسويق للأنظمة الفاشلة وممارستها المتعجرفة وجبروت حكمها الذي تكشف على نحو ما جرى.

نعم، إن لم تُوقف الحرب في اليمن ستغدو مأساتنا خارج نطاق السيطرة والحلول، فسنوات مضت من الحرب كانت كفيلة بإظهار نتوءات الماضي لتشكل مع ثنائي الحرب كل هذه المأساة.. فهل تكون التسويات القادمة هي نتاج مخالف لمعادلات الحرب والظلم والقهر وغياب العدل؟​