لكنها فارقت..!

حرص الرئيس الأسبق (علي ناصر محمد)، على وضع المرأة الجنوبية في مستوى يسمح لها أن تتفوق ميدانيا على الرجل..

* كان طيب الذكر (علي ناصر محمد) الرئيس الوحيد الذي جعل للمرأة الجنوبية مكانة رفيعة في المجتمع..

* وعندما اختار الرئيس (علي ناصر محمد) يوم الثامن من مارس 1981، يوما تاريخيا لإدخال البث التلفزيوني الملون، ونقل أحداث المباريات على الهواء مباشرة من ملعب الشهيد الحبيشي، كان في الواقع يقول للمرأة الجنوبية: صباح الخير يا مولاتي..
* لكن عندما يمر التاريخ النضالي أمام عطاء وتضحيات المرأة الجنوبية، فسيتوقف طويلا أمام امرأتين صنعتا ملاحمَ بطولية لا تقل عن بطولة الجزائرية (جميلة بو حريد)..

* الأولى كانت الآنسة (دعرة)، بنت (ردفان) التي كانت تكر على الإنجليز بملابس الرجال، وتشارك ثوار (ردفان) مسيرة الكفاح المسلح بملابس رجالية دون أن يكتشف أحدهم أنها في الأصل فتاة جنوبية في ريعان شبابها..
* والثانية: الثائرة بوجه سافر دون تنكر، تحوم في الساحات الجنوبية ليلا ونهارا متوشحة بعلم الجنوب الذي يغطيها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها..

* نعم، إنها (زهرة صالح) الثائرة علنا على نظام عائلي وقبلي متخلف اغتصب بلادها بليل، وراح يعبث بهويته ويمحقها ويحولها إلى أثر بعد عين..
* الآنسة (دعرة) التي دوخت البريطانيين طويلا بتنكرها (المسترجل)، صالت وجالت في المعارك، ولم يوقف مدها الثوري سوى لغم إنجليزي، دفع الثوار إلى نقلها بطائرة عسكرية إلى (القاهرة)..

* أما الراحلة من بستان الجنوب (زهرة صالح) فقد قارعت فساد النظام سلميا، كان نشيدها الثوري يصم آذان أذناب النظام القبلي المتوحش، لم يتوقف هدير موجها الصوتي إلا بعد عملية غبية استهدفتها، فأصابتها في نفس المكان الذي أصيبت فيه (دعرة)، وتم نقلها هي الأخرى إلى (القاهرة) حيث قضت نحبها هناك..

* في (القاهرة) قرر الأطباء بتر ساق الآنسة (دعرة)، لكن (أنثى الضبع) رفضت بشدة حتى لا يكتشف الأطباء أنها امرأة وليست رجلا..
* وفي (القاهرة) نفسها، قاومت (زهرة صالح) القعيدة كل الآلام المبرحة، وعندما تأكدت أن الموت قد علق على صدرها أجراس العاصفة، قالت: كفنوني بعلم الجنوب، وادفنوني حيث ناضلت سلميا، وحيث قارعت النظام جهارا نهارا دون تخفٍّ..

* لم تكن (زهرة صالح) مجرد (زهرة) ثائرة في خريف (الجنوب) المتوعد بالانتفاض فقط، لكنها كانت قبسا ثوريا يشعل في نفوس المظلومين قناديل الكفاح السلمي لاستعادة الحق الجنوبي المغتصب أرضا و إنسانا..
* آثرت (زهرة المدائن) النضال السلمي في الميدان، لم تخلف موعدا مع مسيرة أو تظاهرة أو كرنفال وطني، كانت أول من يتواجد في الميدان، وآخر من يغادر الساحات..

* ظلت طوال كفاحها السلمي ثابتة في مواقفها، لم تتزحزح عن قناعاتها قيد أنملة، عاشت في الساحات ثائرة بسيطة عفيفة النفس، وماتت بنفس البساطة ونفس التعفف الثوري..

* لم تتاجر (زهرة صالح) بالقضية الجنوبية في الخارج، ولم تستسلم للكثير من المغريات، مارست مدها الثوري الثائر في الداخل، ولم تتخذ من القضية الجنوبية (زانة) تقفز بها إلى موائد اللئام وقصور النعام الذين صاروا اليوم تجارا وهم يتربحون ويتقرصون على بطونهم من مواقف رمادية بنظام الدفع المسبق..

* رحلت (زهرة صالح) برصيد ثوري كبير، وتركت الجمل بما حمل لطوائف جنوبية متنافرة ومتناحرة، عاشت (زهرة صالح) متفائلة بتوحيد الصف الجنوبي ولو في جنازتها، كان الحراكيون يرونها دائما تحتضن علم (الجنوب)، وهي تغني: (بلاش تفارق)، لكنها فارقت..!​