اليمن في زمن التدويل

مع إصدار مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2541 يكون الملف اليمني قد دخل عمليا في مرحلة التدويل، فبعد سنوات سبع كانت الأزمة اليمنية محاطة بمعالجة إقليمية ترتكز على مرجعية المبادرة الخليجية، التي قدمت في أبريل 2011 لنقل السلطة السياسية، وهي المرجعية الوحيدة التي بقيت تحمل الضمان السياسي، الذي حافظ على الملف اليمني رغم انحراف مسار الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، التي رعتها الأمم المتحدة عبر مبعوثها جمال بن عمر، الذي ساهم في تلغيم مخرجات الحوار الوطني لتنفجر بانقلاب الحوثيين في سبتمبر 2014.

وعلى مدار السنوات التي عرفت الحرب كان القرار الأممي 2216 يمثل في مضمونه أكثر من مجرد تفويض للتحالف العربي باستعادة الشرعية، فلقد كانت توصيفات القرار تعرف الحوثيين بأنهم انقلابيون، عليهم تسليم السلطة للمؤسسة الشرعية والانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة.

 كان هذا الإطار حاملا الضمانة لعدم تدويل الأزمة اليمنية، لكن مع الضغط الذي شكلته القوات الإماراتية العاملة ضمن التحالف الذي تقوده السعودية في الساحل الغربي، ومع اقتراب ألوية العمالقة الجنوبية والقوات المشتركة من ميناء الحديدة حدث التحول الدراماتيكي الذي نقل الملف اليمني إلى مرحلة التدويل.

نتيجة الضغط وافق الحوثيون على الجلوس إلى طاولة مشاورات ستوكهولم، وقبلوا بالانسحاب من موانئ الحديدة الثلاثة، الحديدة والصليف ورأس عيسى، دون تسليمهم للأسلحة، في مقابل انسحاب القوات الموالية للتحالف العربي، كما وافق الحوثيون على أن يتم تحويل إيرادات الميناء للبنك المركزي فرع الحديدة وليس للبنك المركزي في عدن، مع نشر قوات مراقبة أممية تضمن تثبيت وقف إطلاق النار.

ما يعني أن ما تم التوافق عليه في مشاورات السويد هو التفاف على القرار 2216 وتم بموجب القرار 2541 تثبيت عملية الالتفاف التي أيضا تلزم الطرفين بالانتقال إلى جولة مفاوضات تالية ستحمل الإطار السياسي بتشكيل حكومة وحدة وطنية تستلم صلاحيات الرئيس عبدربه منصور هادي، وتستكمل الفترة الانتقالية، قبل البت في مآل تسليم السلاح والانسحاب من المدن، فما حدث في الحديدة يمثل خطوة ستماثلها خطوات أخرى في كافة مدن شمال اليمن.

لكن أين يكمن الخطر من كل هذه التطورات المتلاحقة؟ فالقرار 2541 لم يحمل إدانة للتدخلات الإيرانية، وهي المقررة في تقرير خبراء الأمم المتحدة الصادر في يناير 2018، كما أن التجاذبات التي سبقت إصدار القرار الأممي، والتي وصلت بروسيا إلى التهديد باستعمال حق النقض “الفيتو”، تشكل غطاء سياسيا سيستخدمه الحوثيون في مفاوضات الحل السياسي، تماما كما حصل مع نظام بشار الأسد في سوريا على ذات الحماية التي مكنت ميليشيات إيران من تعزيز نفوذها على الأراضي السورية.

في ظل ضعف أداء الحكومة الشرعية يناور الحوثيون ويتوجهون لنقاط كانت محرمة عليهم، فاتفاق السويد يحمل أجندة مخفية ستظهر مع جولة يناير المقبلة، فلقد باتت جولة يناير 2019 ثابتة، بموجب القرار 2541، وسيتعين مع تلك الجولة تمرير الصفقة السيئة، باعتبار الحوثيين شركاء وليسوا انقلابيين، مما سيضع اليمن كاملا، ضمن عدد من ملفات الشرق الأوسط، بين الأيادي الإيرانية التي ستعمل على مقايضتها حول مصالحها ونفوذها الذي يتطلب إعادة تقييم موضوعي في اليمن.