اقتصاديون لـ(المشهد العربي): إجراءات خاطئة وراء انتكاسة الريال مقابل العملات الأجنبية

الثلاثاء 8 يناير 2019 02:42:00
اقتصاديون لـ(المشهد العربي): إجراءات خاطئة وراء انتكاسة الريال مقابل العملات الأجنبية
عدن- رعد الريمي

صدقت شكوك كان عدد من الخبراء والاقتصاديين في العاصمة عدن قد أشاروا إليها حيال التحسَّن الملحوظ الذي شهده سعر الريال اليمني مقابل العملات مؤخرًا والذي جزم إزاءه عدد من الخبراء الاقتصاديين بأن ذلك التحسُّن لم يرتبط البتة بالسياسات والإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي.
تلك الشكوك دفعت بعض المراقبين الماليين والمصرفيين إلى إلقاء التهم للبنك وسياساته بإخفاء أمر آخر غير الذي يظهر للعلن، تزامن ذلك مع إجراءات أقدم عليها عدد من ملاك محال الصرافة في عدن، حيث أحجموا عن بيع العملات الأجنبية للمواطن أو حتى البيع له بسعر مرتفع، ورفضهم تسليم الحوالات الخارجية بالعملة الأجنبية.
ومؤخرًا شهدت العملة المحلية تراجعًا مقابل العملات الأجنبية، حيث سجل الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية مساء أمس الإثنين الشراء للدولار 525 والبيع 535، فيما سجل الشراء للريال السعودي 139 بينما سجل البيع 140.5، الأمر الذي دفع موقع (المشهد العربي) إلى إعادة قراءة الشأن الاقتصادي مع اقتصاديين وخبراء وملاك محال صرافة ومواطنين.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي أستاذ كلية الاقتصاد بجامعة عدن الدكتور مساعد القطيبي لـ(المشهد العربي): "إن الظروف السياسية التي تمر بها بلادنا ستؤدي بما لا يدع مجالًا للشك إلى تدهور في كل المؤشرات الاقتصادية للبلاد بشكل عام، ومن بينها أسعار صرف العملة المحلية".
وأضاف أن ثمة ممارسات وسياسات قامت بها واتخذتها الحكومة وقيادة البنك المركزي ساهمت في تفاقم مشكلة أسعار الصرف حتى وصلت إلى المستوى الذي أوصل العملة المحلية إلى مستوى الانهيار وليس التدهور فحسب.
وأشار القطيبي إلى أن قرار التعويم الحر للعملة كان من بين القرارات التي زادت من حدة الأزمة في أسعار الصرف، فضلًا عن جملة من الممارسات الحكومية، ومنها اعتماد مخصصات كبيرة بالعملات الأجنبية لعدد كبير من مسؤولي الحكومة، وعدم اضطلاعها بالعديد من المهام التي كان ينبغي أن تقوم بها للحد من التدهور الذي طال أسعار صرف العملة المحلية كترشيد الاستيراد، والحد من عمليات التهريب، ومعاقبة أصحاب شركات الصرافة غير المرخصة التي انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ما أدى إلى تدهور أسعار الصرف للعملة المحلية بشكل كبير انعكست آثاره على مختلف الجوانب الاقتصادية والمعيشية.
ولفت إلى أن العوامل المذكورة سلفًا برغم أهميتها، إلا أنها ليست العامل الرئيس في التحكم في اتجاهات أسعار الصرف، حيث لاحظنا في الفترة الأخيرة حالة التراجع الكبير في أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني من دون أن يقابلها أي إصلاحات أو معالجات حكومية من شأنها أن تُحدِث كل ذلك التراجع، وهو ما يؤكد أن هناك قوى نفوذ سياسية لها الدور الأكبر في تحديد اتجاهات أسعار الصرف في السوق المحلية.
وتابع القطيبي: "لذلك، فإننا كاقتصاديين يمكن أن نتوقع اتجاهات أسعار الصرف مستقبلًا عندما تكون العوامل الاقتصادية هي المتحكمة في اتجاهات أسعار الصرف، لكن عندما تلعب عوامل أخرى الدور الأكبر في تحديد اتجاهات أسعار الصرف، فهنا ينبغي ألا نتوقع اتجاهات أسعار الصرف دون أن نأخذ في الاعتبار تأثير العامل السياسي وتأثير قوى النفوذ السياسي على اتجاهات الأسعار".
بدوره، قال مدير عام إدارة مكتب رئاسة الجمهورية الدكتور محمود محمد صالح جباري لـ(المشهد العربي): "إن التحسُّن النسبي في سعر الصرف للعملة المحلية (الريال) في الآونة الاخيرة كان نتيجة تضافر عدد من العوامل، كالوديعة السعودية التي تبلغ ملياري دولار، والدعم السعودي للبنك المركزي بـ200 مليون دولار، والاتفاق بين السعودية والإمارات العربية المتحدة على دعم اليمن بـ500 مليون مناصفة بينهما، والدعم السعودي بالوقود لتشغيل الكهرباء بالمناطق المحررة بـ60 مليون دولار يوميًا، مع ما رافق ذلك من إجراءات اُتخذت ضد محال الصرافة وإغلاق غير المرخص منها، الأمر الذي أعاد الدورة النقدية إلى مسارها الصحيح، ويُلاحظ أن تلك المتغيرات التي ساهمت في استقرار سعر الصرف أعطت الدفعة الأولى للاقتصاد الوطني".
وأضاف: "على المركزي السيطرة على الدورة النقدية، والعمل من خلال صلاحياته القانونية على زيادة التغذية الراجعة، خوفًا من الهجمة المرتدة، التي ستكون تأثيراتها كارثية، وعودة هوامير الفساد للإخلال بالاقتصاد الوطني من خلال المضاربة بالعملة".
وحمَّل جباري المركزي مسؤولية ما تشهده العملة من أخفاق، مشيرًا إلى أن مجلس إدارة البنك المركزي أخفق في استخدم صلاحياته القانونية في منع محال الصرافة من مزاولة المهنة، وبالذات التي تعمل دون تراخيص، والتي مارست المضاربة بالعملة وسعر الصرف، وغسيل الأموال للفاسدين، كما أخفق عندما لجأ المركزي إلى تمويل عجز الموازنة العامة للدولة بأساليب تضخمية (طبع العملة)، والرقابة لمنع خروج النقد من العملات القوية، وبالذات في المنافذ المختلفة، وتبين ذلك من شراء ما يقرب من 30 ألف وحدة سكنية في جمهورية مصر مثالًا، والتوجيه للمؤسسات الإرادية بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي، ومنع استيراد السلع غير الضرورية، والتركيز على السلع الغذائية والأدوية، والتنسيق في تحويل مرتبات موظفي المنظمات الدولية وغيرها إلى المركزي، والصرف لهم بالريال اليمني، علاوة على ما ساهم فيه توقُّف تصدير النفط والغاز خلال فترة الحرب، لا سيما أن إيراداته تُشَكِّل 70% من إيرادات البلاد، وتوقُّف الرسوم الجمركية والضرائب والمساعدات الخارجية والاستثمارات وعائدات السياحة.
ومن ناحية عدم استقرار العملة وأثره البالغ على المواطنين، يقول المواطن عوض القيسي لـ(المشهد العربي): "إن انعدام استقرار الريال لا يقتصر ضرره علينا نحن الكادحين من المواطنين، بل يتعداه إلى الإضرار المباشر باقتصاد البلاد الذي قد ينهار بين عشية وضحاها".
وأضاف: "أما نحن الكادحين، فحياتنا تصير أكثر صعوبة، وقدرتنا الشرائية الضعيفة تتدهور وقد تصل إلى العجز عن شراء الضروريات، وعجز الناس عن توفير ضرورياتهم أمر يهدد الأمن القومي، لأن أكثر الجياع يتجهون نحو إشباع جوعهم بأي طريقة حتى لو كانت غير مشروعة".
وتابع القيسي أن الكثير من التجار يجدها فرصة خلال فترات الزيادة في أسعار الدولار ليزيد في أسعار بضاعته من أجل تحقيق مكاسب، لكن الحصيلة النهائية ستؤدي إلى ركود اقتصادي مريع نظرًا لضعف قدرة الناس الشرائية، ومن فرح من التجار بفوارق الربح من الزيادة في الأسعار سيخسر أضعافها في قلة أرباحه من البيع بعد تدني المقدرة الشرائية للناس وعزوفهم عن شراء كثير من الأشياء واقتصارهم على ما هو ضروري للحياة.
يجدر الإشارة إلى أن عدد من ملاك محال الصرافة امتنعوا عن الإدلاء بأي تصريحات لـ(المشهد العربي) تحت دافع الخوف من سياسية البنك المركزي التي وصفوها بالسياسية القهرية تجاه كل من يعري سياسة البنك الخاطئة كقرار تعويم العملة المحلية تجاه العملات الأجنبية.