المجتمع الدولي وجرائم الحوثي.. جاء الاعتراف فمتى الحساب؟

السبت 2 فبراير 2019 20:06:00
المجتمع الدولي وجرائم الحوثي.. جاء الاعتراف فمتى الحساب؟

رأي المشهد العربي
ثمة أسئلة محيّرة تحلّق في سرب من فضاء الأزمة اليمنية.. منظمات دولية كثيرة تعترف بجرائم لم تبلغ بشاعتها حدًا مسبوقًا ترتكبها المليشيات الحوثية، لكن لا محاسبة على شيء.
قبل يومين، قالت منظمة العفو الدولية إنّ مليشيا الحوثي ارتكبت جرائم جسيمة قد يرتقي بعضها إلى جرائم حرب، واستخدام السلطة القضائية لتصفية حساباتها السياسية مع المعارضين في مناطق سيطرتها.
المنظمة الدولية المعروفة بـ"أمنيستي" أصدرت تقريرًا يمكن وصفه بـ"الفاضح"، بيّن مدى الجرائم الفاشية التي ترتكبها الجماعة الانقلابية، سواء ضد الذكور أو الإناث منها الإخفاء القسري والتعذيب داخل معتقلاتها مثل التعليق من السقف لساعات والركل واللكم على الأعضاء التناسلية والتهديد بالاغتصاب والابتزاز المادي.
وأظهر بحثٌ أجرته المنظمة أنّ امرأةً ورجلين قد اختفوا قسراً وتعرّضوا لسوء المعاملة، قبل أن يُحكم عليهم بالإعدام إثر محاكمة بالغة الجور أمام إحدى محاكم صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، بتهمة مساعدة الحكومة والتحالف العربي، وصدر هذا الحكم ضد أسماء العميسي، وسعيد الرويشد، وأحمد باوزير، فيما عوقب ماطر العميسي والد "أسماء" بالسجن 15 عاماً.
وصرحت راوية راجح كبيرة مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات بالمنظمة العفو الدولية: "بينما يستمر النزاع المسلح في اليمن، فإنّ المحاكمة الجائرة لأسماء العميسي والمتهمين الثلاثة الآخرين ما هي إلا جزءٌ من نمط أوسع يستخدم فيه الحوثيون السلطة القضائية لتصفية حسابات سياسية".
وأضافت أنّ المحاكمة جاءت بعد ارتكاب مجموعة من الانتهاكات الجسيمة والجرائم بموجب القانون الدولي، قد يرتقي بعضها إلى جرائم حرب، حيث تعرّض المتهمون، في البداية، إلى الاختفاء القسري، واحتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي، ونقلوا سرًا من مرفق إلى آخر، وتم احتجازهم في وضع مزري لعدة أشهر في فترة ما قبل المحاكمة، كما تعرضوا للابتزاز من أجل الحصول على المال، وأُخضعوا للإذلال المستمر والإيذاء البدني الشديد، وحرموا من الحقوق الأساسية، بما في ذلك الاتصال بمحام والزيارات العائلية.
تفضح هذه الشهادات جانبين مهمين، أولهما ربما لم يعد في حاجة إلى تأكيد وهو يتعلق بكم الجرائم الوحشية من قِبل المليشيات الحوثية التي يُكشف عنها النقاب يومًا بعد يوم، والثاني هو ما يمكن اعتباره تغافلًا من قِبل المجتمع الدولي ممثلًا في الأمم المتحدة في التعامل مع هذه المليشيات الموالية لإيران من أجل كبح جماحها.
والإقرار الصادر عن "أمنيستي" ليس الأول من نوعه على الصعيد الدولي، فالأمم المتحدة كثيرًا ما اعترفت بذات الأمر، ففي أغسطس الماضي قال خبراء بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إنّ مليشيا الحوثي متورطة في انتهاكات تصنف على أنها جرائم حرب.
وأضاف الخبراء في تقرير صدر آنذاك عن الأوضاع في اليمن، أنّ مليشيا الحوثي أطلقوا صواريخ على السعودية ومنعوا توزيع إمدادات في تعز وقصفوا المدينة الاستراتيجية من مواقعهم المرتفعة فضلًا عن سياسة التعذيب المستخدمة ضد معارضيهم، وأنّ المليشيات جنّدت الأطفال وزجّت بهم في المعارك، لكنّ شيئًا لم يحدث على الأرض يشير إلى تحرُّك ضد المليشيات لوقف تلك الجرائم.
ومنذ توقيع اتفاق الحديدة في ديسمبر الماضي بالعاصمة السويدية ستوكهولم، ارتكبت المليشيات 760 خرقًا لوقف إطلاق النار، في محاولة للقضاء على فرصة مهمة سنحت من أجل حل الأزمة وفقاً لمرجعية سياسية متفق عليها، لكنّ المليشيات التي تحركها إيران اختارت التصعيد الذي يُسقط الآمال التي علقت على هذه الاتفاق، في بئر عميق من تعميق الأزمة.
ومقابل ذلك، التزمت الأمم المتحدة صمتًا قاتلًا يمثل ما يمكن اعتباره جريمةً سياسية تضاهي الفظائع الحوثية على الأرض، وقاد ذلك إلى توجيه انتقادات حادة في هذا الشأن ضد المنظمة الدولية، سواء محلياً أو إقليمياً.
الأحد الماضي أيضًا، تحفظت الحكومة على بيان صادر عن الأمم المتحدة، تجاهل قصف مليشيا الحوثي الانقلابية مركزًا للنازحين، وأكّدت - في بيان - أن استخدام الأمم المتحدة وصف "أطراف النزاع" أمر غير مقبول.
الحكومة أعربت عن أسفها لبيان ليز جراندي منسقة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في اليمن الذي لم يدن بوضوح مليشيا الحوثي في استهدافها للمخيم النازحين بمديرية حرض بمحافظة حجة، ما أسفر عن مقتل 8 أشخاص وإصابة قرابة 30 آخرين بعضهم في حالة حرجة، معظمهم من النساء والأطفال.
ودعت، المنسقة الأممية إلى تسمية الأمور بمسمياتها وتحميل الانقلابيين المسؤولية الكاملة والواضحة على جميع المجازر والجرائم التي يرتكبونها يومياً بحق المدنيين والنازحين والانتهاكات بحق العمل الإغاثي والإنساني.
وأكد البيان الصادر عن اللجنة العليا للإغاثة التابعة للحكومة، أنّ استخدام وصف (أطراف النزاع) أمر غير مقبول، مشيراً إلى أنّ المأساة التي عانها الشعب اليمني ويعانيها هي نتاج للجرائم والمجازر شبه اليومية التي تقوم بها مليشيا الحوثي الانقلابية بحق شعب بأكمله منذ ما يزيد على أربعة أعوام.
ولفت إلى أنّ قصف المليشيات لمخيمات النزوح والمراكز الإنسانية ليس بجديد، موضحاً أنّه سبق أن استهدفت مخيم بني جابر للنازحين الممول من قبل مركز الملك سلمان للإغاثة مرتين، وأسفر عن مقتل امرأتين وإصابة أكثر من 15 آخرين، إضافة إلى الاستهداف الممنهج والمستمر للنازحين في محافظات الحديدة وتعز وحجة.
وحذرت الحكومة، من أن الصمت تجاه مثل هذه الجرائم البشعة، يشجع الانقلابيين على ممارسة مزيد من الجرائم، مطالبة بضرورة التدخل الفوري والسريع وممارسة جميع الضغوطات الكفيلة بمنع تكرار هذه الجرائم والمجازر المخالفة لكل القوانين الدولية والإنسانية.
تحاول الحكومة لفت نظر الأمم المتحدة إلى الجرائم الحوثية في محاولة لتحرك حاسم يوقف تلك الانتهاكات، الأمر نفسه تكرّر من المستشار بالديوان الملكي السعودي الدكتور عبدالله الربيعة المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، خلال لقائه مع ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح فيرجينيا جامبا بالرياض.
الربيعة - خلال اللقاء - تطرّق للانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها المليشيات الحوثية بحق المدنيين التي تصل إلى مستوى جرائم الحرب، ومنها تفجير آبار ومحطات المياه، وقصف الأحياء السكنية، ما أدى سقوط مئات الضحايا من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وانتهاكهم لمواثيق حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بعملية تجنيد الأطفال والزج بهم كدروع بشرية في ميادين القتال.
يشير كل ذلك إلى مدى الخطر الذي ينتج عن صمت الأمم المتحدة عن تلك الجرائم الحوثية المروعة، ما يستدعي أولاً تغييراً في اللهجة ثم تحركات سياسية تردع المليشيات وإيران الداعمة لها.