يحيى وبلاشفة موسكو أشرف من الحوثي وزبالطة طهران

ما أحوج المرء (وهذا معمول به في المجتمعات السوية) إلى قراءة التاريخ أو إعادة قراءة التاريخ ليكتشف نقاط القوة والضعف وبحث أسبابها، وبالنسبة وأنا أراجع التاريخ في منعطفات العمر وجدت أن الإمام يحيى بن حميد الدين أشرف من كثير من الحكام أو ممن يزعمون تسيدهم على المجتمع طائفياً أو مذهبياً، فقد كان رحمه الله زيديا وهو أقرب إلى أهل السنة من المذاهب الأخرى التي يقف وراءها المجوس. 

هذا الرجل يكاد يكون نادراً من حيث عدم التفريط بالسيادة الوطنية، ووقوفا أمام ما كتبه فان در مولن، قنصل عام هولندا في جدة (وكانت إندونيسيا مستعمرة هولندا) أنه تلقى دعوة من أصدقائه من آل الكاف بتريم عام 1931م، وفي طريقه من جدة نزل ضيفا على الإمام يحيى في صنعاء، وعند مغادرته زار الإمام يحيى وشكره على كرم الضيافة وحسن الوفادة، فسأله الإمام: أي خدمات أخرى يا أصدقاءنا الهولنديين. رد عليه مولن: نحن نعرض على جلالتكم المساعدة في الصحة أو التنقيب أو... فرد عليه الإمام: سبقكم الأمريكان. رد مولن، كيف؟ قال الإمام: عرضوا علي مليوني دولار (2.000.000 دولار) إن طلع الخبر من التنقيب تناصفنا فيه وإذا لم يطلع فالمليونان لي. قال مولن: لا شك أن جلالتكم وافقتكم على ذلك؟! رد الإمام: رفضت العرض. قال مولن: كيف بررتم جلالتكم لهذا الرفض، قال الإمام: سيعطوني مليونين من الدولارات وإذا أردت إخراجهم فكم مليونا من الدولارات يلزمني؟ قال مولن: أدركت على الفور بأنني غبي وأن هذا الرجل ذكي. 

لعلم القاصي والداني أن في تلك الفترة كانت قيمة المنزل في عدن 50 روبية، أي أن المليونين من الدولارات كان بإمكان يحيى أن يشتري بها القاهرة وبيروت، لكنها السيادة الوطنية حالت دون ذلك، والحوثي اليوم باعها للمجوس (أي السيادة) بثمن بخس. 
يحسب للقائد يحيى توقيعه على اتفاق صلح وكان مع الوالي العثماني أحمد عزت باشا يوم 9 أكتوبر 1911، ووقع مع السعودية «معاهدة الطائف» يوم 19 مايو 1934، وكان رحمه الله قد وقع في صنعاء معاهدة صداقة وتعاون مع بلاشفة الاتحاد السوفييتي USSR يوم 1 نوفمبر 1928م، لأن علاقاته بالإنجليز كانت سيئة، وبموجب المعاهدة قام الاتحاد السوفييتي بتصدير الجاز والسكر والدقيق والكبريت والصابون والإسمنت إلى اليمن.

كانت علاقات بلاده، يرحمه الله، متوازنة مع الجميع، وحكم شعبه بدون تمييز هذا من حاشد أو ذاك من بكيل أو أن هذا من الحديدة وذاك من تعز، لأنه كان مهابا من الجميع وكان سيفه يطال أكبر رتبة في البلاد.
أما الحوثي فلا يمكن وضعه في ميزان المفاضلة مع الإمام يحيى لا من قريب ولا من بعيد، لأن الحوثي شأنه كشأن حسن نصر الله عاملاً بالأجر اليومي Daily Wager عند نظام المجوس أو قل إنهما في أحسن الأحوال عاملون لدى نظام الملالي.

الحوثي يقبض من إيران حفنة دولارات لا تساوي حبة خردل مقابل ما عرضه الأمريكان على الإمام يحيى الذي أقام علاقات متوازنة مع الجميع: أمريكان وبريطانيون وألمان وإيطاليون وسوفييت وعرب، وكان هو صاحب القرار.
شتان بين يحيى والحوثي، يشتان بين البلاشفة.. بلاشفة موسكو والزبالطة.. زبالطة طهران.. الله يا زمان.