اليوم أفضل من الأمس والغد أفضل منهما معاً

قضايا عديدة تستحق التوقف عندها في ضوء التفاعلات الملحوظة التي تحققها القضية الجنوبية وانفتاح العالم على ما تمثله، وعلى الإصرار الكبير الذي أبداه الشعب الجنوبي على التمسك بقضيته وتشبثه باستعادة دولته التي دمرتها حرب 1994م وظن أبطال هذه الحرب أن التاريخ قد توقف عند تلك النقطة الآثمة.
يسير المجلس الانتقالي الجنوبي بخطاً ثابتة وغالبا هادئة لا تعرف الضجيج والصخب لولا "المناجمات" التي تشهدها وسائط التواصل الاجتماعي التي تأتي في إطار المواجهات بين خصوم المجلس الموجهين حزبياً ومخابراتياً، وبين أنصار المجلس الذين يتصرفون بصورة فردية وعشوائية وعاطفية وبعضهم يلحق من الضرر أكثر مما يقدم من الفوائد للقضية التي يتبناها المجلس الانتقالي ومعه السواد الأعظم من القوى السياسية الجنوبية والمواطنين الجنوبيين عموماً.
لم أكن أرغب في تناول أهمية الزيارات التي يقوم بها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الأخ عيدروس الزبيدي ومرافقوه لعدد من الدول الفاعلة، لولا تلك التناولات الصادرة عن شخصيات (محترمة)، تقدم تلك الزيارات وكأنها عبارة عن "تسول" الدولة الجنوبية من الدول التي زارها أو سيزورها وفد المجلس الانتقالي، فضلا عن تلك التناولات الساخرة التي تعتبر الزيارة لبريطانيا عل إنها اعتذار عن ثورة 14 أوكتوبر المجيدة أو المطالبة بعودة الاستعمار وهي تناولات تقوم على الابتذال والتسطيح والتفاهة بغرض خلط الأوراق وازدراء عقول القراء أكثر منها تشهيرا بأهداف الثورة الجنوبية وتوجهات المجلس الانتقالي ومعه الكثير من القوى السياسية الجنوبية المؤمنة بعدالة القضية وحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره.
وبعيداً عن الإطالة والخوض في التفاصيل أشير هنا إلى أن تحركات المجلس الانتقالي الخارجية تأتي في إطار توطيد علاقات المجلس الانتقالي بعواصم صنع القرار الدولي وإيصال الرسائل السياسية التي تكشف مضمون القضية الجنوبية وتطلعات الشعب الجنوبي وتوقه إلى الانفكاك من واقع التبعية والارتهان الذي فرضته عليه قوى الحروب والهيمنة التي لم تنجح في شيء أكثر من نجاحها في تسليم البلد لعصابات القتل والسلب والنهب وتدمير كل ممكنات قيام مجتمع سليم متعافى قادر على النهوض والسير نحو المستقبل.
لا يتسول الجنوبيون دولةً من أحد فهم يعلمون جيداً أن الدول لا تصنعها التمنيات ولا تقدم هدايا من أحد، بل تصنعها الوقائع على الأرض، وتبنيها إرادات الشعوب، وبالنسبة لدولة الجنوب فإنها لن تكون استحداثا لكيانٍ جديدٍ غير مألوف في التاريخ، بل إن استعادتها وإعادة صياغتها بما يستجيب لمتطلبات العصر الجديد لن تكون إلا تصحيحا لخطأٍ تاريخيٍ جرى في غفلة من الزمن واعترافاً بفشلٍ أقر به الجميع لمحاولة الدمج التعسفي بين دولتين لم تتعايشا لسنة واحدة فقط.
الذين يعتبرون عدم اعتراف العواصم التي يزورها الانتقالي بالدولة الجنوبية فشلاً, يبنون أوهاماً ثم يصدقونها ثم يعتبرون عدم حصولها انتصاراً لهم، أما من يقرأون الواقع قراءة سليمة فهم يعتبرون تلك الزيارات وحدها مكسباً تراكميا لصالح القضية الجنوبية وهي تمثل خطوات في طريق الألف ميل ستليها آلاف الخطوات حتى الوصول إلى نهاية الرحلة ، فالأهم بالنسبة للجنوبيين هو ليس إعلان أو عدم إعلان هذه العاصمة أو تلك عن الاعتراف بالدولة الجنوبية ، فذلك لا ريب آتٍ وفي وقته المناسب، بل إن المهم هو أن الأبواب فتحت والطرق غدت سالكة ولا يهم بعد ذلك ردود أفعال الساخطين والغاضبين والمتوترين فلهم أن يسخطوا ويغضبوا ويتوترا كما يشاؤون فالحقيقة هي الحقيقة واليوم أفل من الأمس وغداً سيكون أفضل منهما معاً بكل تأكيد.