قطاع البنوك يتلقى أول ضربات الكساد الاقتصادي العالمي
يواجه قطاع البنوك العالمي مصاعب كبيرة تبدو انعكاسا مباشرا للأوضاع المقلقة للاقتصاد الدولي ككل، بل إن بعض الاقتصاديين يعتقد أن تراجع نسب التوظيف وزيادة معدلات إنهاء الخدمات الوظيفية في قطاع البنوك، يمكن أن يكشف لنا عن أي المناطق الاقتصادية، التي قد تصاب بأول ضربات الركود الاقتصادي، الذي يخيم شبحه الآن على الاقتصاد الدولي.
وتشير الأرقام المتاحة حاليا إلى أن قطاع البنوك قام بتسريح 60 ألف موظف منذ بداية العام إلى نهاية الشهر الماضي، ومع إعلان بنك "إتش إس بي سي" نيته في الاستغناء عن خدمات ما يصل إلى 10000 موظف، في إطار خفض التكاليف، ومن المتوقع أن يقترب عدد العاملين في قطاع البنوك، الذي تم إنهاء أعمالهم هذا العام نحو 70 ألف موظف.
ومن المنطقي أن تنال التخفيضات في عدد العاملين في القطاع البنكي من أصحاب الوظائف العليا ذات الأجور المرتفعة، لكنها ستطول أيضا عديدا من الوظائف الأدنى، بحيث يقدر عدد من سينهي البنك البريطاني وظائفه لديه بنحو 4 في المائة من إجمالي القوى العاملة في البنك.
ويتعرض المديرون التنفيذيون في كبرى البنوك العالمية وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، إلى ضغط شديد من المستثمرين لخفض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح.
وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، ومنذ بدأت أسعار الفائدة طويلة الأجل في الانخفاض في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، انخفض مؤشر أسهم البنوك الأمريكية 5 في المائة، في حين ارتفع مؤشر ستاندر آند بورز 500 للأسهم 6 في المائة، وهو ما يضع البنوك في موقف ضعيف أمام أسواق المال.
ومع هذا يظل وضع البنوك الأمريكية والآسيوية أفضل من نظيرتها الأوروبية، التي تتحمل الجزء الأكبر من عملية إنهاء الوظائف وتسريح العاملين على المستوى العالمي، فمؤشر ستوكس، الذي يرصد حركة البنوك الأوروبية فقد خلال الـ11 شهرا الماضية نحو 16 في المائة من قيمته، ليسجل بذلك أدنى مستوى له في ثلاثة أعوام.
.
ويعتقد عدد من الخبراء أن الأوضاع الصعبة للبنوك الأوروبية، تعكس بدرجة أو بأخرى عدم قدرة الاقتصاد الأوروبي ككل على الخروج أو على الأقل الخروج قوة الاقتصاد الأمريكي نفسه من أزمة 2008 المالية، معتبرين أن الهيكل الاقتصادي لبلدان الاتحاد الأوروبي، لا يزال مليئا بالثغرات، وجوانب القصور التي تكشف أن ميكنزمات عمل الاقتصاد الكلي لم تفلح في العودة بعد إلى العمل السلس، كما أنها لا تتمتع بالمرونة الكافية، وهو ما يجعل الاقتصاد الأوروبي من وجهة نظر البعض المرشح الأول للإصابة ببلاء الركود الاقتصادي
في هذا الإطار، يشير بعض الخبراء إلى ضرورة عدم النظر إلى عملية إنهاء الوظائف في القطاع البنكي العالمي وتحديدا الأمريكي والأوروبي باعتبارها أزمة توظيف، أو أنها انعكاس لأزمة وقتية متعلقة فقط بانخفاض أسعار الفائدة أو تحديات الربحية التي تواجهها البنوك الأوروبية والأمريكية، وإنما يدعون للنظر إليها في إطار أكثر شمولية يتعلق بانتقال مراكز ثقل الاقتصادي العالمي بعيدا عن مراكزها التقليدية في القارة الأوروبية والولايات المتحدة.
فأزمة التوظيف البنكي في أوروبا والولايات المتحدة، أحد مظاهر انتقال مراكز الثقل في الاقتصاد العالمي تدريجيا إلى آسيا، وهو ما يمكن النظر إليه في تفكير عدد من كبار البنوك الدولية من بينها بنك "إتش إس بي سي" في نقل مقاره الرئيس إلى هونج كونج.
وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الصيني واقتصاد شرق وجنوب شرق القارة الآسيوية، فهناك قناعة عامة بأنها أزمات عابرة لاقتصادات تسير في اتجاه المستقبل والهيمنة عليه، بينما تفقد أوروبا مركزيتها في الاقتصاد العالمي تدريجيا.
وفي الواقع، فإن كثيرا من الحقائق التي تمدنا بها البيانات الآسيوية، تشير إلى حقيقة هذا التحول، فتوقعات بنك التنمية الآسيوي تظهر زيادة بنحو ستة أضعاف في دخل الفرد الآسيوي بحلول منتصف القرن، بينما ستمثل القارة الآسيوية 53 في المائة من النتاج المحلي الإجمالي العالمي، وسيكون هناك نحو ثلاثة مليارات آسيوي يبحثون عن خدمات مصرفية تعزز من قدرتهم المالية.