الثلاسيميا.. سرطان جديد ينهش في عظام اليمنيين المنهكة
منذ أن أشعلت المليشيات الحوثية حربها العبثية في صيف 2014، وتآمرت معها حكومة الشرعية عبر الكثير من الجرائم والخطايا، دفع القطاع الصحي ثمنًا فادحة، وتفشت الأمراض الفتاكة التي نهشت في العظام المنهكة.
منظمة الصحة العالمية أصدرت تقريرًا كشف عن مدى انهيار المنظومة الصحية في اليمن، حيث قالت إنّ علاج مرضى الثلاسيميا بات معجزة نادرة في اليمن التي تكافح من أجل تلبية الاحتياجات الصحية في ظل الصراع المستمر فيها منذ سنوات والنظام الصحي المتدهور.
الثلاسيمية (الثلاسيميا) هو اضطراب وراثي في الدم يتسبب في نقص الهيموجلوبين وقلة عدد خلايا الدم الحمراء في الجسم عن المعدل الطبيعي، والهيموجلوبين عبارة عن مادة موجودة في خلايا الدم الحمراء تسمح لها بنقل الأكسجين إلى أنحاء الجسم، ويؤدي نقص الهيموجلوبين وقلة عدد خلايا الدم الحمراء المصاحبين للثلاسيمية إلى الإصابة بفقر الدم، ما يقود إلى الإحساس بالتعب.
المنظمة قالت إنَّها تدعم مع اليونيسيف والبنك الدولي، مشروع الصحة والتغذية الطارئ باليمن إضافة إلى توفير الآلاف من عبوات نقل الدم لتمكين عمليات النقل المنقذة للحياة لمرضى الثلاسيميا، وأضافت: "اليمن يكافح من أجل تلبية الاحتياجات الصحية في ظل صراع مستمر ونظام صحي متدهور، فيما يعتبر علاج الثلاسيميا معجزة نادرة لكننا في أمس الحاجة إليها، ما يجعل الدعم المقدم لمركز الثلاسيميا الوطني أساسي".
وأكّدت المنظمة أنّ الحرب الراهنة سبب في نفاد إمدادات الدم في المراكز الخاصة بذلك، الأمر الذي خلف احتياجًا كبيرًا وبخاصةً عند الأطفال الذين يعانون من اضطرابات الدم ويواجهون خطر الموت.
وقال التقرير عن مصدر مسؤول بمركز الثلاسيميا في اليمن قوله إنَّ المركز يستقبل يوميًّا ما بين 60 و70 حالة من مرضى الثلاسيميا وفقر الدم، وبمجرد فحص الحالة يتم إحالتها إلى المركز الوطني لنقل الدم للحصول على وحدات دم.
وأضاف المصدر: "يتوفى بعض الأطفال جراء المرض، لكن الإمدادات الكافية والفورية من الدم يمكن أن تنقذ حياتهم".
وبحسب التقرير، تلبي منظمة الصحة العالمية مع شريكها التقني البنك الدولي، في إطار مشروع الصحة والتغذية الطارئ الاحتياجات الصحية في اليمن، وذلك في إطار استجابة شاملة مصممة خصيصًا لتوفير خدمات الصحة والتغذية الأساسية التي تلبي الاحتياجات الصحية الحادة، وتدعم النظام الصحي في خضم النزاع الدائر.
ويدعم مشروع الصحة والتغذية الطارئ ٧٢ مستشفى حول اليمن بالخدمات الصحية الأساسية المنقذة للحياة، من خلال آلية تسمى "بحزمة الحد الأدنى من الخدمات".
إجمالًا، تعتبر الأزمة الصحية أحد أبشع الآثار التي نجمت عن الحرب العبثية التي أشعلتها المليشيات الحوثية في صيف 2014، مُخلِّفةً وراءها وضعًا بشعًا لا يُطاق ومآسٍ حياتية.
وكانت الأمم المتحدة قد كشفت أنّ طفلًا تحت سن الخامسة يموت كل 12 دقيقة، بسبب الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب، وقال ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن أخيم شتاينر في تغريدة عبر حسابه على "تويتر": "يموت طفل أقل من 5 سنوات كل 12 دقيقة باليمن، معظمهم نتيجة نقص المياه والتغذية الأساسية والرعاية الصحية والأدوية بسبب النزاع".
وبين حينٍ وآخر، تصدر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها العديد من التقارير بشأن المأساة الإنسانية والأزمة الصحية، الناجمة عن الحرب الحوثية، والتي ضاعفتها حكومة الشرعية هي الأخرى، بعدما تسبّبت في تأخير الحسم العسكري ضد المليشيات وحرّفت بوصلة الحرب بشكل كامل.
وأصبح نحو مليوني طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، منهم حوالي 360 ألفًا دون سن الخامسة، يعانون من سوء التغذية الحاد جدًّا، وهم يصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة، بحسب تقرير صادرٍ عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".
الوضع المروّع يشير كذلك إلى أنّ الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد هم أكثر عرضة للوفاة بـ11 ضعفًا بالمقارنة مع أقرانهم الذين يحظون بتغذية جيّدة، كما أنّ تقديرات المنظمات الأممية تكشف أنَّ حوالي 2,5 مليون امرأة حامل أو مرضع في اليمن بحاجة ماسة إلى خدمات التغذية والمشورة لعلاج سوء التغذية أو الوقاية منه، إذ تتعرض النساء الحوامل المصابات بسوء التغذية لخطر متزايد من الإجهاض والكرب الذي تسببه، بالإضافة إلى فقر الدم والموت أثناء الولادة.
وحلّ اليمن في صدارة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر جوعًا، بحسب مؤشر الجوع العالمي للعام الحالي، الذي أعلنته منظمة "إغاثة جوعى العالم" الألمانية، والتي قالت بدورها إنّ عدد الجوعى يتصاعد بشكلٍ مقلق.
وتعتمد إحصائيات المؤشر وتصنيفاته، بشكلٍ أساسي على أربعة معايير لقياس مستوى الجوع، تتمثل في حساب عدد السكان الذين يعانون من نقص التغذية، كما يتم التقييم عبر إحصاء النسبة المئوية للأطفال الذين يعانون من الهزال والتقزم دون سن الخامسة، إلى جانب نسبة وفيات الأطفال الذين يموتون نتيجة الجوع قبل سن الخامسة.
كما كشف تقرير دولي حديث، صادر عن منظمة الصحة العالمية، أنّ 913 شخصًا توفوا على إثر الإصابة بوباء الكوليرا فيما أصيب نحو 700 ألف آخرين، وذلك في الفترة من يناير إلى سبتمبر الماضيين.
المنظمة قالت أيضًا إنّه تمّ الإبلاغ عن وجود الوباء في 305 مديريات من أصل 333 مديرية، وكشفت أنَّ الأطفال دون سن الخامسة يُشكّلون 25,5%، من إجمالي الحالات المشتبه إصابتها بالكوليرا، وأعلنت عن زيادة متوقعة خلال الأسابيع المقبلة في الحالات المشتبه إصابتها بالكوليرا، في بعض المناطق.
الأرقام التي وردت في التقرير يمكن القول إنّها لا تحمل أي مفاجأة، فعلى مدار سنوات خمس ارتكبت المليشيات الحوثية كافة صنوف الاعتداء على القطاع الصحي، مخلِّفةً وراءها مأساة غير مسبوقة، سواء عبر قصف وتعطيل المستشفيات وإغلاق الصيدليات وتفشي الأوبئة ونشر الفقر، وإهمال الوضع البيئي، وسرقة المساعدات الدوائية، وهي أسبابٌ كفيلة في مجملها لأنْ تؤدي إلى تفشي الأمراض.
الجانب الآخر في الاتهام تتحمّله حكومة الشرعية، هذا المعسكر الذي يُسيطر عليه حزب الإصلاح الإخواني الإرهابي، الذي تسبّب في إطالة أمد الحرب بعدما تقارب وتعاون مع الحوثيين سرًا وعلنًا، وطعن التحالف العربي بخنجر الخيانة من الظهر، بتحريفه بوصلة الحرب وتوجيهها إلى اتجاه آخر.
كما عملت حكومة الشرعية على ضمان نفوذ لها في المستقبل السياسي بدلًا من التركيز على التخفيف من معاناة السكان جرّاء الحرب، ولم تولِ القطاع الصحي أي اهتمام، بل ركّزت اهتمامها على معاداة الجنوب وشعبه وأرضه، وكذا معاداة التحالف العربي، تنفيذًا لأجندة قطرية تركية، ترمي إلى استهداف التحالف وتفكيكه، ودعم النفوذ الإخواني الحوثي على حد سواء.