تأسيس المجلس الانتقالي كان ضرورة جنوبية إقليمية ودولية
د. فضل الربيعي
لم يكون الإعلان عن القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي، ردة فعل على إقالة محافظ عدن السابق اللواء عيدروس الزبيدي - كما يعتقد البعض - أو ان هذا الإعلان جاء برغبة فرد أو طرف بذاته ، بل هو رغبة جنوبية عارمة خلقتها نضالات وتضحيات ومعاناة الجنوبيون وتكويناتهم ومكوناتهم المختلفة. وعبرت عنها كثير من الرؤى والادبيات والتوجهات السياسية والفكرية للمكونات والقوى والنخب والافراد والمؤسسات الفكرية ومنظمات المجتمع المدني في الجنوب، لسنوات طويلة. وعليه كان تنظيم القوة الجنوبية امرا يتصدر الذهنية السياسية الجنوبية، ومن هنا جاءت فكرة ضرورة بناء اطارا جنوبيا وطنيا حتى لا يتم استمرار العبث في القضية الجنوبية واستثمارها لصالح قوى وتوجهات هي في الأصل بعيدة عنها.
ومن هنا ادركت القيادات والنخب الوطنية الجنوبية أهمية انتظام الجنوب سياسيا ليعبر عن قضيته المحورية، حيث قام اللواء عيد روس الزبيدي باستدعاء مجموعة من النشطاء والسياسيين في أواخر 2016م واوعز لهم مهمة القيام في مهمة التحضير لقيام اطارا سياسيا يكون قادرا على إدارة قضية الجنوب وتسويقها والخروج من عبث الاستثمار السيئ للقضية من قبل اعدائها.
حيث تم التوافق على تحديد لجنة فنية من الكفاءات السياسية والعلمية وان تعمل بدون ضجيج اعلامي لإنتاج رؤية وبرنامج عمل وأضح المعالم والاهداف لإعلان تأسيس اطارا سياسيا قياديا جنوبيا محصنا للقضية.
ان تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي كان ضرورة وطنية وسياسية جنوبية أولا، بل وضرورة إقليمية ودولية تستند على الخلفيات والمبررات الاتية:
اولا: ان الاوضاع المأساوية التي وصل إليها الجنوب بفعل تلك الممارسات العنجهية التي مارسها نظام صنعاء خلال الخمسة والعشرون السنة الماضية قد شكلت الدافع الرئيس نحو بناء و ترتيب البيت الداخلي الجنوبي في إطار كيان سياسي يمثل الجنوبيين ، والانتقال بهم إلى عملية يتصرفون من خلالها كإطارات سياسيا مرجعيا مستقلا وصولا إلى تحقيق هدف الجنوبيون بتحقيق استقلالهم الكامل على تراب ارض الجنوب وعبر إرساء وبناء قواعد الدولة من خلال عمل المجلس في الواقع بوصفة اطارا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بهويته الجنوبية العربية كدولة مستقلة، تمكنهم من السير في اتجاه مواجهة التحديات القادمة التي يمارسها تحالف نظام صنعاء "القبلي الطائفي والسياسي" والذين يثيرون الكثير من المخاوف التي تزعزع آمن واستقرار المنطقة بعامة والجنوب بخاصة.
وبهذا الصدد فقد حققت المقاومة الجنوبية مع التحالف العربي نصراً كبيرا على تلك المليشيات الانقلابية وكسرت مشروع الامتداد الايراني في المنطقة، الاّ ان النصر لم يكتمل بسبب تأخر حسم الحرب في الشمال، وأهما المناطق المحررة في ظل تحكم الانقلابين في صنعاء بالمقدرات المالية والادارية في اليمن .
ثانيا : يعد الحفاظ على النصر الذي تحقق في الجنوب ضرورة وطنية واخلاقية تصون دما الشهداء وتضحيات الجنوبيين واهداف التدخل العربي وهذا لم يتأتأ إلاّ من خلال ايجاد كيان سياسي جنوبي يحفظ ذلك الحق ويدير ويشرف على المحافظات الجنوبية المحررة بالتنسيق مع شرعية الرئيس هادي والتحالف العربي.
ثالثا: ان انتظام العملية السياسية للحراك الجنوبي يستدعي مبدأ الاعتراف والتعامل مع الواقع ببعديه الاستراتيجي والتكتيكي معاً، من خلال تحليل الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع والاستفادة من كل معطياته ومن التجارب السابقة، وبرؤية تحليلية متصلة بالأحداث والتطورات والتحولات التي أصابت المنطقة منذ فشل مشروع الوحدة والحرب على الجنوب عام 1994م، مرورا بالحرب على الإرهاب وثورات الربيع العربي وثورة التغيير عام 2011 م ومؤتمر الحوار وما تلاه من تطورات ، وصولا إلى الحرب الاخيرة واسبابها وانعكاساتها وتصاعد موجات المظاهرات والاحتجاجات الشعبية منذ عام 1994م وازدادت وتيرتها ما بين 2007م - 2015م، كل ذلك قد ساعد وضوح قضية الجنوب كقضيه محوريه ، بينما لم نرى أي جهود خارجية تستهدف إيجاد حلولا لها.
رابعاً: ان المؤشرات التي افرزتها نتائج الحرب الحالية ستبقي التوتر قائم بين أطراف الصراع اليمني "في الشمال" وعودتهم لممارسة خلق الفوضى في الجنوب مستغلين التبعية الحزبية والادارية والمالية لمؤسسات صنعاء المركزية.
خامساً: يعد الكيان السياسي معبراً عن شعب في منطقة محددة جغرافياً ومعروفه دوليا بانها كانت دولة مستقلة ، بما يمكنه من الدخول في علاقات وطيدة مع الدول الأخرى، ومن ثم فإن كيان يمتلك كافة المقومات اللازمة الداخلية مثل الشعور الجمعي بهوية الانتماء للجنوب كهوية وطنية تعمل على تماسك المجتمع ، بالإضافة إلى الكفاءة الادارية ، والتقدم الذي أحرزه الحراك الجنوبي والتضحيات التي قدمها شعب الجنوب، فضلاً عن التحالفات الإقليمية التي افرزتها وتفرزها الحرب الدائرة حالياً باليمن ، وأبرزها محور ( الامارات – السعودية – مصر ).
سادساً : ان مطالب الجنوبيون في حق تقرير مصيرهم في استقلال الجنوب كامل على ارضهم المحددة والواضحة في الحدود الدولية إلى يوم 22 مايو 1990م هو حق تكفله كل المواثيق والمعاهدات الولية . وهو هدف عام ورئيسي تنشده كل القوى والتكتلات السياسية والمدنية والجنوبية وفي مقدمتها قوى الحراك الجنوبي، وهو رغبة وطنية تسندها الاستحقاقات الحضارية والسياسية مدعومة بعنفوان الشارع الجنوبي الموحد بهدفه الرئيسي المتمثل بنيل الحرية والاستقلال بوصفه حجر الاساس الذي تقوم عليه الدولة المستقلة.
سابعاُ: ان مستقبل الاستقرار السياسي الداخلي والخارجي، لابد من السير فيه عبر الممارسة العملية، وابعاد خطر التيارات الاصولية والارهاب، لما لذلك من تأثير ايجابي على الاستقرار بالجنوب والمنطقة بعامة، وقد اثبتت التجارب والشواهد على أرض الواقع بان نظام صنعاء هو من ادخل الإرهاب الجنوب بخاصة واليمن بعامة.