همس اليراع
القات وكورونا
د. عيدروس النقيب
المظاهر المؤسفة من اضطرابات أمنية ومواجهات مسلحة وحملات سطو على الأراضي وغيرها مما تشهده العاصمة عدن لا تعبر إلا عن أحد أمرين: إما أن من يدير الملف الأمني والخدمي والتنفيذي عموما لا يتقن عمله ولا يدري ما هي وظيفته، وإما أن هناك من يخطط ويرسم ويمول وينظم حالة العبث والاستهتار والفوضى (الممنهجة) التي تشهدها العاصمة عدن والمناطق المجاورة لها، وذلك أمر يمكن مناقشته بالتفصيل في سياق أخر.
عندما اتخذ قرار حظر التجوال وإغلاق أسوق القات من ضمن مناطق مزدحمة أخرى في عدن وبقية المناطق كان الغرض هو تخفيف الازدحام في إطار ما يسمى التباعد الاجتماعي كجزء من حملة مواجهة الانتشار المحتمل لوباء كورونا الذي لم تسلم منه بلد من بلدان العالم، والهدف كان التقليل من أسباب انتقال العدوى وليس تحريم أو إباحة القات أو سواه من البضائع.
كان كاتب هذ السطور قد كرر مراراً أن وظيفة رجل الأمن كما هو معروف حماية أرواح الناس وليس ملاحقتهم أو (الهنجمة عليهم) كما يقول العامة.
ما جرى في محافظة لحج منذ يومين من مطاردة بين بعض المسلحين (الذين قيل أنهم) من رجال الأمن، وبعض موردي القات أمر مؤسف، وهو ليس منفصلاً عن حالة عامة من التسيب والانفلات والازدواجية وحالة الفوضى العامة التي لم نعد فيها قادرين على التمييز بين رجال الأمن وبين البلاطجة والمستهترين، لكنه يبين أنه لا توجد لا سياسات أمنية موحدة ولا قيادة أمنية واحدة، ولا حتى فهم موحد لمهمات أجهزة الأمن وأساليب ووسائل تطبيق سياساتها، وأجدني أوافق المناضل العميد صالح الشعملي الذي علق على أحد منشوراتي بهذا الصدد مشيراً إلى أن الأمن منظومة موحدة تشمل غرفة عمليات واحدة ومنظومة الاتصال وأجهزة بحث وتحري وتكنيك وتكتيك جنائيين ونظام المربعات الأمنية وغير ذلك.
ما ينطبق على الأمن ينطبق على بقية المجالات فما لم يوجد جهاز موحد ونظام موحد وفهم موحد وثقافة ووعي موحدين وتراتبية واضحة في عمل مختلف الأجهزة والإدارات (وفي المقدمة الجهاز الأمني) فإن الأمور ستظل سائبة ومجالات الاختراق والعبث ستزداد انتشاراً، وحتى الشرفاء والمحترمين ممن يعملون بنزاهة وحسن نية لضبط الأمور وحماية المجتمع من الجريمة ومن الأضرار غير المقصودة بما في ذلك من الآفات والأوبئة، سيصيهم اليأس وسيلوذون بالاعتكاف إن لم ينتقل بعضهم إلى خانة المستهترين والعابثين.
كورونا عدوٌ متخفٍّ وغير مرئيٍ ومراوغ، ولا يميز بين غني وفقير ولا بين صغير وكبير ولا بين غفير ووزير، بل يهاجم الجميع، ومن هنا يتوجب أن يحاربه الجميع، ورجال الأمن الذين ينخرطون في حملات تنفيذ منع الازدحام ينبغي أن يتحلوا بقدر من الصبر والتأني ناهيك عن احترام آدمية من يتعاملون معهم حتى لو كانوا مخالفين أو جناة أو حتى مجرمين، فليست مهمة رجل الأمن الإدانة أو العجرفة والاستعراض على عباد الله بقدر ما مهمته ضبط المخالفين وبمنتهى الحرفية والتهذيب، وإلآ فسيتحول إلى جاني بقصد أو بغير قصد
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)