همس اليراع
كورونا في عدن
د. عيدروس النقيب
قلنا وقال كثيرون قبلنا وبعدنا إن بلادنا لن تكون استثناءً من جائحة كورونا التي اكتسحت كل العالم وحيرت أكثر الدول تقدماً وأغناها مادياً وأفضلها نظاماً صحياً وأقدرها على التعامل مع التقنيات الطبية والمنتجات الدوائية، والاستثناء الوحيد هو أننا بلادٌ بلا دولة وشعبٌ بلا إمكانيات وموارد البلد لا هي بيد الدولة (غير الموجودة) ولا بيد المواطنين الممزقين بين الكوارث والمصائب والاستقطابات السياسية ومحاور الصراع.
وها قد حلت كورونا ضيفاً مزعجاً وعدواً متخفيا عن الأعين والمايكروسكوبات لكنه أشد فتكاً من البوارج والغواصات والصواريخ عابرة القارات وكل أسلحة الدمار الشامل.
لا يمكنني تقمص دور الأخصائي الماهر أو الدارس المتعمق في تفاصيل الجائحة وخصائصها الكلينيكية والبايولوجية، لكنني أتحدث عن حقائق لم تعد خافية على كل ذي عينين:
فأولاً: لم يعد من حق أي مسؤول حكومي أو حزبي أو حتى نقابي أن ينكر وجود الحالات المعلنة التي يمكن أن تكون مجرد الجزء المرئي من الحالات المختفية أو المتستر عليها والتي قد تصل إلى أضعاف ما تم الإعلان عنه وقد تتنامى إلى أضعاف الأضعاف (لا سمح الله).
ثانيا: في مواجهة فايروس كورونا ليس هناك فرق بين البلدان إلا من حيث الاستعدادات الوقائية والقدرة على فحص وتشخيص العينات أما من حيث العلاج فحتى اللحظة ما تزال أقوى البلدان عاجزةً عن عمل شيء ذي قيمة أمام هذا الغول المتخفي، ويكفي أن نعلم أنَّ أقوى دولة في العالم (USA) قد بلغت الوفيات فيها قرابة السبعين ألفا ويتوقع المراقبون أن تفوق خالة الوفيات المائة ألف وقد تتجاوز حالات الإصابة فيها مليوني إصابة قبل نهاية شهر مايو الجاري .
ثالثا: ومن هنا فإنني أتوجه إلى أهلي في عدن وكل الجنوب والإقليم عموماً أن يخففوا من التهجم على الأطباء والممرضين الذين لا يمكن أن نتوقع منهم التفوق على معاهد البحث ومراكز الاستشفاء في أمريكا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول الأقوى والأغنى في العالم، وبهذه المناسبة فقد تلقيت رسائل من أطباء يعملون في الميدان مع ضحايا الحميات وبعضهم قد تعرض لنفس العدوى، قال أحدهم أن الذين يعاتبون الأطباء والممرضين ويطالبون بمقاضاتهم لسبب (تقصيرهم) في التعامل مع الحالات المشتبه بها يريدوننا أن نموت بجانب المرضى ونحن لا نمتلك أية وسيلة لا لحماية أنفسنا ولا لحماية المرضى، وأردف أنهم يفعلون معنا ما يفعله القائد العسكري الذي يرسل الجندي إلى الجبهة بلا سلاح ولا ذخيره ويطلب منه أن يقاتل العدو ويهزمه.
ورابعا: لن أضيف جديداً إذا ما قلت أن كورونا لا يحتاج إلى دولة لمحاربته، لأن الدولة (وفي أحسن الحالات) تستقبل المصابين ولا تقدم لهم سوى المسكنات والعزل الجيد (وأحياناً السيء) وهي وسائل يمكن لكل امرء أن يقوم بها لنفسه، بدءً بالوقاية التي تجعلك في غنى عن كل شيء آخر (بما في ذلك الدولة) وانتهاءً بالتزام قواعد التباعد وتقليل فرص الاختلاط والملامسة إلى أدنى درجاتها.
وأخيراً علينا جميعا الحذر من تبعات الاستهتار واللامبالاة وتجاهل مخاطر هذا الوباء من قبل المواطنين، باعتبار المسؤولية الفردية هنا عالية وتأتي في المقام الأول، لكننا في المقابل نتمنى أن لا يتحول الموضوع إلى فوبيا مرضية تهيمن على كل الوعي والسلوك العام، ففايروس كورونا مثل أي فايروس يمكن تجنب التعرض له بوسائل بسيطة وممكنة، كما سبقت الإشارة وكل المشكلة أنه سريع الانتشار، ودرجة خطورته مرتفعة، ولا علاج للإصابة به حتى اللحظة.
وأختتم بما تشير إليه التقارير الدولية الرسمية وهو إن الإصابات ليست متساوية في كل البلدان وإن ليس كل إصابة تعني الوفاة، بل إن هناك إصابات لم يعرف بها أصحابها إلا بعد الفحص، وإشير هنا إلى الإحصائيات التالية من واقع السجلات العالمية، حيث تبلغ نسبة الوفيات أقل من 7 بالمائة من مجموع الإصابات التي تجاوزت حتى اللحظة 3.5 مليون حالة في حين بلغت نسبة المتعافيين أكثر من 32%، ويخضع التناسب لبقية الحالات بين درجة الخطر الكبرى والشفاء لهذه النسبة مع مراعاة الفوارق بين درجة العناية والاحتراز من بلدٍ إلى آخر ، فقد بدأ الفايروس الانتشار في ألمانيا مثلاً قبل بريطانيا بأسابيع لكن السلطات الألمانية تعاملت بصرامة وشدة من حيث اتخاذ الاجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي وإغلاق المراق العامة، ولم تتجاوز الوفيات فيها ٧٠٠٠ بينما تعاملت السلطات البريطانية التي تأخر فيها ظهور حالات الإصابة بمستوى اقل من الصرامة والحرص، فدفعت الثمن باهظاً حيث تجاوز عدد الإصابات ٢٨٠٠٠ (ثمانية وعشرين ألف) حالة وفاة، في حين يقل عدد سكان بريطانيا عن عدد سكان ألمانيا بأكثر من ستة عشر مليون نسمة.
والخلاصة: ليس كل حالة إصابة تعني وفاة، وليس بالضرورة أن يكون أي منا مصاباً للبحث له عن علاج وأطباء وأدوية ولقاحات مما لا
وجود له بينما تتوفر وسائل عدم الإصابة في متناول اليد وتقريبا شبه مجانية.
تذكروا جيداً: تجنبوا الاختلاط!
افترضوا أن كل من تقابلونهم مصابون!
افترض أنك مصاب وينبغي أن تجنب الآخرين (أهلك وذويك وأصدقائك وكل من تحتك بهم) الإصابة بالعدوى منك!
حافظوا على النظافة بعد كل اختلاط أو حتى بعد كل خروج خارج المنزل!
وطبعا تظل نظافة المنزل وأدوات الاستعمال اليومية شرطاً ضرورياً لتجنب التعرض للعدوى.
رحم الله ضحايا الوباء وشفى الله المصابين من المرضى والأطباء والعاملين الصحيين وحمى الله الجميع من كل شرّ.