الكمامات تثير جدلاً بين إنعاش المشاريع التجارية والتحصين من كورونا
تصدرت الكمامات المشهد العالمي بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، فبين إنعاش المشاريع التجارية والتحصين من كورونا أثيرت أقاويل وردود أفعال كثيرة، وانقسمت آراء عدد من العلماء حول تقرير عُرِض على مستشاري حكومة إنجلترا، يدعو إلى الاستخدام الواسع النطاق لأقنعة الوجه الطبية للحيلولة دون المزيد من حالات انتقال فيروس كورونا.
بمقدور الأقنعة، ومنها الكمامات المصنوعة في المنزل، أن تشكّل "أداة مهمة" في الحد من انتشار كوفيد- 19، وفقاً لـ"ديلف"، وهي مجموعة متعدّدة التخصصات عُقدت بدعوة من "الجمعية الملكية" البريطانية.
وخلُصت المجموعة في تقريرها، إلى أن أقنعة الوجه يمكن أن تخفّض عمليات انتقال العدوى إذا استُخدمت على نطاق واسع في الحالات التي يتعذّر فيها تطبيق التباعد الجسدي، كما في وسائل النقل العام أو مناطق التسوق أو أماكن العمل المزدحمة.
غير أن تلك التوصية التي قُدمت إلى "سايج"، المجموعة الاستشارية العلمية التابعة لحكومة المملكة المتحدة، "تتناقض مع الاستخدام الشائع للأقنعة الطبية من أجل حماية مرتديها"، ما يشير إلى أن باستطاعة الكمامات أن تعيق انتقال العدوى من حاملي الفيروس مِمَّن لا تظهر عليهم أي أعراض إلى أشخاص آخرين.
وتستند استنتاجات العلماء هذه إلى حقيقة أن الرذاذ المُعدي، الناتج من التكلم والتنفس، كذلك السعال أو العطس، يشكّل عنصراً رئيساً في عمليات انتقال العدوى، وإلى أدلة تشير إلى أن الأقنعة المصنوعة من القماش يمكن أن تُخفّض جزئياً نشر تلك الجسيمات.
بيد أن التقرير قوبل بشكوك من جانب علماء آخرين، يخشى كثيرون منهم أن قاعدة الأدلة ما زالت غير كافية لتبرير مثل تلك الاستنتاجات. أحد أولئك العلماء هو الدكتور أنطونيو لازارينو، من قسم "علم الأوبئة والصحة العامة" في "جامعة كوليدج لندن" (يو. سي. أل)، الذي وصفه قائلاً "ليس هذا عملاً بحثياً، بل مراجعة لا منهجية لدراسات غير موثوق بها وغير سريرية".
وأضاف لازارينو "الأدلة التي نحتاج إليها قبل تنفيذ تدخلات عامة تشمل مليارات من الأشخاص، ينبغي أن تأتي بشكل تام من تجارب عشوائية مضبوطة على مستوى السكان، أو في الأقل من دراسات المتابعة الرصدية التي تتضمّن مجموعات المقارنة. سيتيح لنا ذلك تحديد مقدار الآثار الإيجابية والسلبية الناجمة عن ارتداء الأقنعة(...) وبناءً على معلوماتنا الحالية بشأن كوفيد- 19، يبدو أن الآثار السلبية المترتبة على ارتداء الأقنعة تفوق الإيجابية".
في سياق متصل، قال الدكتور بن كيلينغلي من مستشفى "جامعة كوليدج لندن" إنه في حين يركّز التقرير "المفرط في تفاؤله"، على حد تعبيره، إلى درجة كبيرة على البيانات "الميكانيكية" حول تكاثر الرذاذ الفيروسي وكفاءة الترشيح التي تتمتّع بها أقنعة الوجه، توفّر الدراسات الواقعية الفعلية حول أغطية الوجه نتائج مخيّبة خارج بيئات الرعاية الصحية.
واعتبر أن " ذلك يعود على الأرجح إلى أن طرق الانتقال الأخرى (للفيروس)، على غرار الأيدي الملوثة، هي أكثر أهمية، ولأن من الصعب استخدام أغطية الوجه على نحو صحيح(...) لا يعني هذا أن أغطية الوجه قد لا تكون مفيدة". وأشار إلى أن الدراسات بشأن قناع الوجه لم تُجرَ خلال جائحة أو في ظل وجود فيروس جديد.
وأردف كيلينغلي "مع ذلك، التقرير، في رأيي، لا يمثل الأدلة المتعلقة بأغطية الوجه الموجودة حالياً، تمثيلاً دقيقاً".
ولكن في المقابل، رحب خبراء آخرون بالتقرير، مشيدين بتحليل "ديلف" لـ"وفرة الأدلة" المقدمة، كما قالوا، واتفقوا مع حرص معدّي التقرير على إبراز أن غالبية حالات انتقال عدوى كوفيد – 19 تحدث عبر حاملين للفيروس لا تظهر عليهم أي أعراض.
مثلاً، قالت البروفيسورة تريش غرينهالغ من قسم "نوفيلد لعلوم الرعاية الصحية الأولية" في جامعة أكسفورد البريطانية "كما يُتوقع من هذه المجموعة المتميزة من العلماء، خضعت قاعدة الأدلة الأساسية للتحليل وقُدمت بشكل دقيق، مع الإشارة إلى المجالات التي تتطلّب المزيد من البحث".
وأضافت "على سبيل المثال، في ما يتعلّق بما إذا كان من المحتمل أن بعض الأشخاص يواصلون نشر الفيروس من دون ظهور أي أعراض عليهم، وما إذا كانت التوصيات بشأن ارتداء القناع يجب أن تختلف تبعاً لخطر التعرض (للفيروس)، على غرار سائقي الحافلات في مقابل منزّهي الكلاب، وإلى أي مدى من المهم أن يكون القناع مريحاً ومناسباً".
وأردفت "يدعم التقرير الحجة التي تقول إن تغطية الوجه من قبل عامة الناس يمكن أن تمثل استراتيجية أساسية لمساعدة البلاد في الخروج بحذر وهدوء من الإغلاق(...) لكن إحدى المسائل التي لم يتناولها التقرير هي الخطر المتمثل في أن يؤدي استخدام الناس للأقنعة بشكل واسع إلى استنفاد مخزون الأقنعة الطبية بالنسبة إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية. لا حاجة إلى الأقنعة الطبية خارج بيئات الرعاية الصحية. يوفّر القناع المصنوع من القماش حماية جيدة جداً، وارتداؤه مريح أكثر".
إلّا أنّ الدكتور سيمون كلارك، المتخصص في علم الأحياء الدقيقة الخلوي في جامعة ريدينغ البريطانية، قال إن التقرير "على الرغم من كونه مثيراً للاهتمام، يمثل مجموعة من الآراء المتداولة بدلاً من أن يعبّر عن أي تقدم فكري في فهمنا لجدوى أقنعة الوجه".
وأضاف "أن التقرير لا يرقى إلى مستوى تقديم أدلة جديدة، فضلاً عن أنه يصرف النظر بشكل عرضي جداً عن المبدأ الوقائي عند التطرق إلى احتمال أن تترك الأقنعة الطبية وأغطية الوجه آثاراً سلبية في سلوكيات الناس(...) وإلى حين تقديم أدلة إضافية في أي من الاتجاهين، فإنّ النصائح كافة تستند إلى الآراء".