دراسة بريطانية عن كورونا تثير المخاوف بسبب عدم جديتها
كشف مشاركون في دراسة حكومية بريطانية حول فيروس كورونا، لصحيفة الإندبندنت، اعتبرها وزير الصحّة مات هانكوك "جوهريّة" في سياق مكافحة الجائحة، عن مخاوفهم الجديّة إزاء طريقة عمله.
ويقول المشاركون للإندبندنت في دراسة الإصابة بـ"كوفيد 19" إنّ بعض الموظفين المكلّفين إجراء الفحوص لم يرتدوا معدات الوقاية الشخصية، بينما بدا أنّ بعضهم الآخر ينقصه التدريب الكافي في سحب العيّنات، بينما لم يحضر آخرون إلى مواعيد محدّدة مسبقاً، وحقّقت في هذه الشكاوى مجموعة "ليبرتي إنفستيغايتس"، إحدى فروع منظمة "ليبرتي" لحقوق الإنسان.
وتهدف الدراسة إلى مراقبة المعدّل الحالي للإصابات، وتحديد عدد الأشخاص الذين طوّرت أجسادهم أجساماً مناعية مضادة للفيروس في المملكة المتّحدة. ويُتوقّع أن تشمل الدراسة 300 ألف شخص على مدار 12 شهراً.
بعد إطلاق الدراسة في 23 أبريل المنصرم، طُلب إلى 100 ألف أسرة في المرحلة الأولى أن تشارك فيها.
وقدّم المشاركون عينات للفحص، أُخذت من أنوفهم وحناجرهم. بينما طُلب من البالغين في عدد أقل من الأُسر، أن يقدّموا عينات من دمهم للفحص، من أجل التأكّد من إمكانية امتلاكهم أجساماً مناعية مضادة للفيروس.
ويُنظر إلى هذه الدراسة، بوصفها تمثّل إحصاءً لسكّان المملكة المتّحدة، وتقودها وزارة الصحّة والرعاية الاجتماعية و"مكتب الإحصاءات الوطنية"، وتشارك فيها "جامعة أكسفورد" وشركة البيانات العلميّة "آي كيو فيا يو كيه" IQVIA UK و"المركز الوطني للعيّنات الطبيّة" في ميلتون كيز.
عندما بدأت الدراسة، كانت قدرة "آي كيو فيا" في التعامل مع الاتصالات الهاتفية محدودة. وذكر المواطنون الذين دُعوا إلى المشاركة في الدراسة أنهم "لم يتمكّنوا من حجز مواعيد لهم". لكن مذّاك، قدّم المشاركون شكاوى أخرى.
وأطلعت إحدى المشاركات منظمة "ليبرتي إنفستيغايتس" على قلقها بشأن صحتها الخاصّة، بعد تلقّيها زيارة من الموظفين المكلفين إجراء الفحوص، بينما ذكر مشارك آخر أنه أجرى 77 اتصالاً هاتفياً من أجل طلب موعد، ونجح بإجراء موعد واحد، فيما أُلغيت ثلاثة مواعيد أخرى.
وكذلك لم تكن تلك الحالات منعزلة. ففي الشكاوى التي تُقدّم عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى شركة "آي كيو فيا" المسؤولة عن جمع البيانات من الأفراد مباشرة، يتذمّر المشاركون من سوء جمع العيّنات وعدم حضور الموظفين لسحب العيّنات بشكل متكرّر، ونقص معدات الاختبار، ما يؤدي إلى إلغاء مواعيد.
وقالت إحدى المشاركات، التي لم ترغب في الكشف عن هُويّتها، إنها انتظرت الموعد الأوّل، لكن أحداً لم يحضر. ولدى تحديد موعد ثانٍ، أوضحت تلك المُشارِكة "شعرت بالمفاجأة والقلق عندما حضرت ممرّضة إلى باب منزلي من دون معدات وقاية شخصية باستثناء القفازات، لا سيّما أنها عرضت عليّ الدخول إلى المنزل من أجل أخذ العيّنات".
وأضافت المُشارِكة، "اضطررنا إلى الوقوف على مقربة من بعضنا بعضاً، كي نتعامل مع معدات الفحص والتوقيع وإعادة نماذج الموافقة. تنتقل هذه الممرّضة بين المنازل من دون أيّ حماية لنفسها أو من تزورهم".
وراسلت تلك المُشارِكة نفسها فريق العمل في جامعة أكسفورد، وهو الفريق المؤسسي المُشرف على المشروع، عن طريق البريد الإلكتروني كي تطلعه على مخاوفها. ونقل الفريق رسالتها إلى "مكتب الإحصاءات الوطنية". وجاء ردّ تلك الهيئة الإحصائية على الرسالة متضمّناً أنه كان على الممرضة أن تطبّق قواعد التباعد الاجتماعي.
وأرسل النائب المسؤول عن جمع المعلومات وتتبع الحالات لدى "مكتب الإحصاءات الوطني" رسالة إلكترونية لتلك المُشارِكة يعدها فيها النظر في الموضوع. كما عبّر المسؤول عن قلقه "لأنك أشرت إلى أنك اضطررت للوقوف على مقربة منها من أجل الحصول على المسحات وتوقيع نماذج الموافقة".
وأضاف، "تنصّ القواعد بوضوح على ضرورة وضع المواد داخل كيس، وتركها كي يتناولها المشارك، بينما يتراجع موظّف الصحة إلى الخلف احتراماً للمسافة المطلوبة في إطار التباعد الاجتماعي. وأنا أتفهّم سبب قلقك على صحتك وصحة موظفة الصحة وصحة الآخرين".
وجاء في الوثائق التي حصل عليها كل المشاركين أنّ "موظّف الرعاية الصحية العامل في الدراسة سيطبّق جميع الاحتياطات الموصى بها، لحمايتكم وحماية أفراد منزلكم من الإصابة بالفيروس. وسيجلب موظّف الصحة التابع للدراسة معه كل المعدات الضرورية، بما فيها الوقاية الشخصية، لدى زيارته منازلكم".
في المقابل، لم يحضر موظف صحيّ إلى منزل السيّدة لإجراء الفحص الثاني، الذي كان مفترضاً إتمامه بعد ذلك بأسبوع، ولم يتّصل بها أحد منذ ذلك الحين.
ويثير هذا التقصير الواضح المخاوف ليس بشأن التواصل فحسب، بل بشأن مدى فعّالية البيانات في حال لم تُجر الفحوص الأسبوعية بانتظام كما يجب، فمن المفترض أن تُأخذ العيّنات من المشاركين خمس مرات بفارق أسبوع واحد بين المرّة والأخرى، على أن تُأخذ بعد ذلك مرة واحدة في الشهر مدّة 12 شهراً.
وفي سياق موازٍ، أطلع بول بوشان "اندبندنت" على تجربته في المشاركة بتلك الدراسة الحكومية عن انتشار كورونا. ووصفها بـ"الفوضى منذ البداية"، لأنّ الموظّف الموكّل بأخذ العيّنات "كان ينقصه التدريب كلياً تقريباً بشكل واضح".
ووفق كلماته، "أُلغى موعدان حدّدتهما له، ثم ظهر هذا المسكين على عتبة منزلي، ولم تكن لديه فكرة عن طريقة إجراء الفحص. حتّى إنه سألني عن كيفية أخذ العيّنات، وأعطاني نموذجاً خطأً بشأن موافقتي على إجراء الفحص، ولم يكن يرتدي القفازات (لدى وصوله). أنا لا ألومه. فمن الواضح أنه كُلّف تأدية مهمّة لم يتلقَّ التدريب أو التجهيز المناسب لها".
وأضاف بوشان، "لقد تطوّعت وزوجتي للمشاركة في الدراسة، لكن ذلك الموظف لم يكن بحوزته سوى معلومات عني أنا، وتالياً لم يتمكّن من سحب عيّنات منها. وأُخبِرتُ بعد ذلك أنني سأتلقّى اتصالاً من أجل تحديد موعد في الأسبوع التالي، لكني لم أتلقّ أي اتصال حتّى بعد مرور أسبوع على ذلك".
في نفسٍ مماثل، ذكر ديفيد ويلكن الذي وافق على الانضمام إلى الدراسة أنه وعائلته حدّدوا أربعة مواعيد. وأجرى 77 اتصالاً قبل أن يردّ عليه أحد. وفي المقابل، لم يحضر أحد في الموعد الأول، فأجرى اتصالات عدة أخرى، حضرت بعدها ممرضة ترتدي كمامة وقفازات طبية. لكنّ الزيارتين الثانية والثالثة لم تحدثا.
وقد علّق ويلكن، الذي انسحب بعدها من الدراسة على ذلك، "أشعر بنفور تامّ من عدم الكفاءة. مع الأسف، هذه فرصة مهدورة لجمع معلومات مهمّة. ضاعت هذه الفرصة الآن".
تظهر النتائج الأولية للدراسة، استناداً إلى بيانات 7087 شخصاً، أنّ 0,24 في المئة من السكّان مصابون بـ"كوفيد 19". ويُتوقع أن تظهر نتائج تفصيلية أكثر يوم الخميس. وصرّح هانكوك في أبريل أنّ الدراسة ستوفّر "جزءاً جوهرياً من استجابتنا المستمرّة لهذا الفيروس".
وكذلك ناطق بلسان تلك الدراسة أنها "تشاركية موسّعة، وتستند إلى القدرات البحثية المُثبتة لدى شركاء متمرّسين جداً، وانطلقت خلال مدّة زمنية ضيقة للغاية، وفي إطار ظروف عمل صعبة ومُقيّدة بسبب الفيروس.
لقد نشرنا تقديراتنا الأوليّة عن عدد الأشخاص الذين تأكّدت إصابتهم بـ(كوفيد 19) في إنجلترا، وتستند تلك التقديرات إلى آلاف العيّنات من المسح وعينات الدم التي جُمعت بالفعل من كل أنحاء المملكة المتّحدة خلال أقل من شهر".
وأضاف، "لا يسعنا التعليق على الحالات الفرديّة، لكننا نعي أنّ شركاءنا يعملون بكدّ من أجل إتمام العمل بسرعة، مع حرصهم في الوقت ذاته على احترام الموظفين معايير معدات الوقاية الشخصية وقواعد الصحة والسلامة في أثناء مواعيد أخذ العيّنات وسحب الدمّ. إنها معايير أساسية تهدف إلى حماية الشعب وشركائنا من المتخصصين في الرعاية الصحية".
ووفق كلماته الختامية، "يهمّنا أن نشكر كل الذين استجابوا لطلبنا المشاركة في هذا البحث الجوهريّ. خلال الأشهر المقبلة ستكون نتائج هذا العمل أساسية، كي نفهم طريقة انتشار هذا الفيروس. إنهم يساعدون، عبر مشاركتهم بالبحث، في الجهود العالميّة من أجل فهم واقع مسار (كوفيد 19) وكيفية مكافحته".