العرب اللندنية: معركة تعز الكبرى خطوة عملاقة في مسار تحرير اليمن
ترافق الحراك السياسي والدبلوماسي الجاري بشأن الملف اليمني بمشاركة كبار القوى الفاعلة فيه، مع تطوّرات ميدانية توصف بالحاسمة، خصوصا تلك التي تدور في محافظة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن والمطلّة على الساحل الغربي للبلاد حيث مضيق باب المندب الاستراتيجي جنوبا، ومحافظة الحديدة بمينائها الكبير شمالا.
وتجري منذ الخميس عملية عسكرية كبرى بمشاركة فاعلة من قوات التحالف العربي لفك الحصار الحوثي عن تعز واستكمال تحرير مناطق المحافظة من سيطرة الميليشيا الموالية لإيران.
واعتبر مراقبون أنّ تحرير تعز سيمثّل انتصارا فارقا للشرعية اليمنية وللتحالف العربي، وسيغيّر من موازين القوى في اليمن على الصعيد العسكري كما السياسي.
وأعلن محافظ تعز، المعيّن حديثا، أمين أحمد محمود في بيان له الخميس عن إطلاق الجيش اليمني بدعم من التحالف العربي حملة عسكرية واسعة النطاق لتحرير المناطق التي ما زالت تحت سيطرة الحوثيين في محافظة تعز.
ودعا محمود في بيانه أبناء المحافظة للوقوف صفا واحد إلى جانب القوات المسلحة، قائلا إنّ “كابوس الإرهاب الكهنوتي الحوثي في طريقه إلى مزبلة التاريخ وأنّ فجرا جديدا ومستقبلا زاهرا في طريقه إلى الشروق”.
وبحسب مصادر عسكرية تهدف العملية إلى تحرير محيط مدينة تعز وشرقها باتجاه الحوبان والجند وخط الحديدة-تعز، ومديرية دمنة خدير آخر مناطق تواجد الحوثيين في محافظة تعز.
وعن تطوّرات الأوضاع الميدانية عقب الإعلان عن حملة استكمال تحرير المحافظة، قال الصحافي اليمني رشاد الشرعبي في تصريح لـ”العرب” إن الجيش الوطني يخوض معارك شرسة في مختلف الجبهات الشمالية والغربية والشرقية وعلى حدود محافظة لحج في منطقة كرش، بإسناد كبير ومركّز من طيران التحالف العربي الذي يقوم بدور مهمّ في الجوّ من خلال الضربات المكثّفة التي تسبّبت في سقوط العشرات من القتلى والجرحى من عناصر ميليشيا الحوثي بينهم قيادات. وهو ما يعكس -وفقا للشرعبي- التنسيق الواضح ما بين الطيران والقوات على الأرض.
وأشار الشرعبي إلى أن الجيش الوطني حقّق تقدّما كبيرا ويقترب من قطع إمدادات ميليشيا الحوثي في طريق الحديدة-تعز وباتجاه شارع الستين شمالا، كما تم خلال العمليات الواسعة استهداف مجاميع الميليشيا وقياداتها ومواقعها وإمداداتها بالطيران والمدفعية إلى جانب نزع الألغام وتمشيط المباني والأودية والجبال.
ولفت الشرعبي في تصريحه إلى أن المهمة الأساسية لعملية التحرير وإنهاء الحصار تتركز في الوصول إلى قطع خط الحديدة-تعز وشارع الستين وكذلك طريق تعز-الراهدة وهو ما سيحوّل ما تبقّى من مجاميع الحوثيين إلى محاصرين في شرق المدينة ومنطقة دمنة خدير، مؤكّدا تسجيل حالة من الإرباك وسلسلة من الانهيارات في صفوف الحوثيين نتيجة لاشتعال جميع الجبهات في وقت واحد ومبادرة الجيش بالهجوم عليهم واستهدافهم بطيران التحالف العربي.
وقال المحلل السياسي اليمني فارس البيل إن الإعلان عن تحرير تعز يأتي هذه المرة في ظل متغيّرات جديدة وبعزم واضح من التحالف بعد تهيئة عدة أمور وإزالة عوائق كان لها دور في إبطاء عملية تحرير تعز.
ومن الإجراءات المهمّة التي تمّ اتخاذها -وفق البيل- تعيين محافظ جديد لتعز من خارج دائرة الاستقطاب الحزبي وتهيئة عوامل مشتركة للمقاومة والجيش بحد أدنى من التوافق على ضرورة الخلاص من الحوثي ورفع الحصار والمعاناة أولا، بالإضافة إلى عوامل ومتغيّرات كثيرة من بينها الوضع الذي أصبح عليه الحوثيون بعد تصفيتهم لشريكهم السابق حزب المؤتمر وزعيمه علي عبدالله صالح.
وأكد البيل في تصريح لـ”العرب” أن المعاناة التي مرت بها تعز باعتبارها أكثر المناطق التي تعرّضت لهجمات الحوثيين جعلت فرقاء المحافظة يتوصّلون إلى ضرورة الخروج من حالة الفُرقة والتنافس واقتناص الفرص إلى مرحلة تحرير تعز باعتبارها مسؤولية الجميع، مضيفا “إذا ما تحررت تعز فإن بوابة كبيرة للنصر ستفتح وثقلا معنويا وسياسيا وعسكريا سيرتد على الحوثي ويضاف إلى رصيد الشرعية والتحالف ويسرّع من عملية الخلاص الشامل من براثن الحوثي”.
وتحظى محافظة تعز بأهمية جيوسياسية فريدة، تفسّر شدّة التشبث الحوثي بها، والاستماتة لعدم خسارتها، نظرا إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي الهام بين الشمال والجنوب، وكثافتها السكانية التي تعدّ الأكبر في اليمن وفقا لآخر التعدادات السكانية، كما تمتلك المحافظة مكانة خاصة في التاريخ السياسي والثقافي اليمني نتيجة لتحدّر الكثير من القادة والأعلام اليمنيين منها، ودورها في إحداث تحوّلات كبرى في التاريخ اليمني الحديث والمعاصر.
وخارج تعز تتواصل خسائر الحوثيين في عدّة جبهات، ما يجبر قادة الجماعة الحوثية على إصدار إشارات إيجابية بشأن الرغبة في إعادة إطلاق المسار السياسي لحلّ الأزمة اليمنية عن طريق طاولة الحوار.
ويرى مراقبون في تعيين مبعوث أممي جديد لليمن مؤشّرا على وجود فرصة حقيقية لإيجاد حلّ سلمي للملف اليمني، خصوصا أن المبعوث المعيّن ليس سوى الدبلوماسي البريطاني المخضرم ذي الخبرة الواسعة بنزاعات الشرق الأوسط مارتن غريفيث.
وتزامن هذا التعيين مع تحرّكات دولية تتزعمها بريطانيا لتقديم مبادرة جديدة لحل الأزمة اليمنية وسط تسريبات عن أن السعودية لا تمانع في أن تعطي فرصة أخرى للجهود الدبلوماسية لدفع المتمردين الحوثيين إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، وذلك بالتوازي مع استمرار خيار الحسم العسكري المتجسّد عمليا في تعز وغيرها من الجبهات.