إلى الأشقاء في دول التحالف
د. عيدروس النقيب
يقتضي الأمر أن نتوجه إليكم بالتحية والتقدير مسجلين لكم كل آيات الشكر والامتنان التي مهما كررناها لا يمكن أن تتسع لتعبر عما يكنه شعبنا تجاهكم من معاني العرفان والجميل لما قدمتموه لشعبنا من عون ومساعدة في مواجهة الغزاة الحوثيين العفاشيين والمساهمة في تحقيق النصر المؤزر في يوليو 2015م ودحر الغزاة على اعقابهم خاسئين.
ونشكركم بشكل خصوصي لمجهودكم الأخير في وقف الفتنة التي تسبب بها المستهترون والحمقى في حكومة الدكتور بن دغر والتي كادت أن تتسبب بكارثة إضافية فوق ما عاناه الشعب اليمني من كوارث طوال العقود الخمسة الماضية بسبب الساسة الفاشلين الذين حولوا وجودهم في السلطة إلى سبب من أسباب شقاء الشعب ورفع معاناته وفشلوا في تقديم له أهم وأبسط متطلبات الحياة رغم ما تتمتع به البلد من موارد وما قدمت لهم من مساعدات ذهبت كلها لتصب في أرصدة الفاسدين الموزعة في بنوك العام.
وبالعودة إلى ما شهدته مدينة عدن العاصمة خلال يومي ??، ?? يناير المنصرم من أحداث مؤسفة دامية راح ضحيتها العشرات من الشهداء وأضعاف اضعافهم من الجرحى لعلكم تابعتم تفاصيلها وما أودت إليه من نتائج دامية لم يكن أحد يتمنى حدوثها.
لسنا بحاجة إلى الخوض في تفاصيل ما وصلت إليه حياة المواطنين في محافظات الجنوب التي حررها أبنائها بتضحياتهم وكفاحهم وبدعمكم الذي لا ينكره إلا جاحد فكما تعلمون لقد بلغ التدهور في حياة المواطنين مستوى غير مسبوق في تاريخ البلد ولا في تاريخ أي شعب أخر ففي خلال ستة أشهر قفز سعر الدولار من 250 إلى ما فوق الخمسمائة ريال يمني للدولار الواحد وهذا وحده مؤشر خطير على اتجاه الأوضاع نحو الانهيار الشامل .
إن المواطنين في محافظات الجنوب ومنذ مجيء حكومة الدكتور بن دغر يعانون من حرمان شبه مطلق من خدمات أساسية كالكهرباء والتطبيب والخدمات البلدية من تنظيف الشوارع والصرف الصحي ومياه الشرب النقية وهي خدمات عرفتها عدن وبعض مدن الجنوب قبل قرن من الزمان يأتي هذا في ظل حكومة مكونة من أكثر من 37 وزيرا معظمهم مغتربون وبعضهم لا يأتي إلى عدن إلا كزائر لعدة أيام ثم يعود أدراجه .
إن الحكومة ليست عاجزة عن القيام بعملها فلديها من الموارد والقدرات ما يمكنها من تقديم بعض الخدمات وتحسين بعض المجالات الأساسية في حياة الناس لكن أعضاء الحكومة منشغلون بأمور أخرى لا علاقة لها بمهماتهم وواجباتهم، إنهم مشغولون بترتيب أوضاعهم وأوضاع أقربائهم، ولعلكم سمعتم عن قيام العديد من الوزراء بتعيين مقربين ومحاسيب بالعشرات بعضهم بلا مؤهلات في مناصب حساسة وخطيرة في حين آلاف الخريجين من مختلف التخصصات ينتظرون على رصيف البطالة.
وكانت العديد من منظمات المجتمع المدني والجماعات السياسية قد نظمت فعاليات احتجاجية للمطالبة بتحسين الخدمات وإخراج الناس من هذه الوضعية المأساوية لكن الحكومة قد تجاهلت صراخ المتألمين واحتجاجات المتضررين.
إن الوضع المتدهور في المناطق المحررة قد ترك أثرا سلبيا على سير العمليات في جبهات المواجهة ففي حين تعيش المناطق الواقعة تحت سيطرة الانقلايين حالة من الاستقرار المعيشي والخدمي وحتى الأمني تعاني المناطق المحررة مما تعرضنا له من تدهور وحرمان وفساد واقتراب من حافة الانهيار وإضاعة النصر العظيم الذي كنتم شركاء مع المقاومة الجنوبية في صنعه، وهو ما يدفع الكثير من الراغبين في التخلص من الجماعة الانقلابية في مناطقهم إلى إعادة التساؤل: هل سنحارب الانقلابيين لنصل بحياتنا إلى مستوى المناطق المحررة؟
لقد فشلت حكومة الدكتور بن دغر في تقديم نموذج يغري المواطنين في الشمال على مقاومة الانقلاب والانقلابيين وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية لصمود الانقلابيين والتعثر تحقيق أي تقدم لصالح الشرعية وقوات التحالف على الصعيد العسكري رغم التفوق العددي واللوجوستي والتكنيكي لمعسكر الشرعية ورغم ما تبذله قوات التحالف من دعم وإسناد يستحقان الشكر والتقدير.
إن سبب صمود المعسكر الانقلابي هو فشل الحكومة ورداءة أدائها وليس تميز الانقلابيين أو تفوقهم، وهو ما يجعل الكثيرين من أعداء الانقلاب يقفون على الحياد بدلا من نصرة الشرعية والتحالف العربي.
إن التمسك بهذه الحكومة الفاسدة الفاشلة يلحق الضرر بكل الجهود التي تبذلونها في سبيل تحقيق نتائج ملموسة لأهداف عاصفة الحزم، وقد وصل الأمر ببعض الناشطين السياسيين (ومنهم مؤيدين للحكومة الشرعية) إلى اتهام دول التحالف بالرضى عما تمارسه هذه الحكومة من موبقات لا تخفى على كل ذي عينين فلا تقدم ولا انتصار ولا حتى استقرار في ظل حكومة كحكومة بن دغر رغم من فيها من الشرفاء وهم قلة قليلة قد لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة.
إن التركيبة الحالية للحكومة الشرعية لا تسيء إلى المواطنين في المناطق المحررة فقط بل إنها تسيء إلى الأشقاء في دول التحالف وتلحق الضرر بنواياهم النبيلة وأهداف تدخلهم في اليمن وتعزز من سمعة ومكانة الطرف الانقلابي وهذا يعني ما يعنيه كما تعلمون.
وبالعودة إلى ما جرى يومي 28 و29 يناير 2018م فقد خرج المواطنون في فعالية سلمية احتجاجية استهدفت المطالبة باستبدال هذه الحكومة بحكومة كفاءات تخرج المواطنين الجنوبيين من دائرة المعاناة وتعيد لهم أبسط مقومات الحياة التي افتقدوها بسبب الفشل المتعمد لتلك الحكومة وهذا النوع من الفعاليات ليس بدعة ولا ينظم للمرة الأولى بل إن عشرات الفعاليات نظمت في نفي الساحة منها ما هو مؤيد للحكومة وللرئيس هادي ومنها ما هو معارض لها وانتهت جميعها بسلام.
وبدلا من التفكير بالبحث عن وسائل تخرجها من دائرة الفشل المتواصل والفساد المزمن لتجنب المواجهة مع المواطنين والحرص على أرواحهم وصون دمائهم، راحت الحكومة تهدد وتتوعد كل من يفكر بتنظيم فعالية سلمية بالقتل المباشر وجاء بيان وزارة الداخلية لينص حرفيا على ذلك ، ولم تكتفي الحكومة ببيانها المشؤوم هذا بل سارعت إلى نشر النقاط الأمنية واستحداث المواقع العسمرية في عموم أحياء المدينة لمنع المواطنين من التدفق إلى موقع الفعالية الاحتجاجية السلمية والقتل المباشر لكل من لم يتقيد بأوامر الجنود والضباط وهو ما لم يحصل إلا في أسوأ فترات حكم عفاش.
ولقد كان ذلك إيذانا باندلاع الأحداث وتفاقمها وتحويلها من عمل سلمي مألوف منذ أكثر من عشر سنوات إلى مواجهة مسلحة بين حكومة تمارس القتل ضد معارضيها وبين مواطنين أجبروا على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وحماية أرواحهم.
إن هناك الكثير من العبر التي يمكن استخلاصها مما جرى يومي 28 و 29 يناير لا شك أنكم قد توصلتم إليها لكننا نجتهد هنا لنشير إلى أهمها.
1. ان حكومة الدكتور بن دغر حكومة فاشلة وفاسدة ولا يمكن أن تكون طرفا معززا لأهداف عاصفة الحزم وإعادة الأمل
2. إن حكومة الدكتور بن دغر لا تهمها لا حياة المواطنين ولا الخدمات الأساسية ولا معالجة التهديدات التي يتعرض لها أكثر من عشرين مليون يمني من المجاعة والأوبئة والفقر والبطالة وتبديد الموارد واقتراب البلد من حافة الانهيار.
3. إن هذه الحكومة ترى بأن على المواطنين تحمل فشلها وفسادها دون حتى أن يمارسوا حقهم في الأنين والصراخ وكل من تجرأ ورفع صوته اعتراضا على سلوك وزرائها كان جزاءه القتل وهو ما لم يحصل إلا في أسوأ الفترات من حكم عفاش.
4. إن التفرج على هذه الحكومة الفاشلة والفاسدة يفقد الحلفاء قاعدة عريضة من الجماهير الذين يشعرون بالامتنان لما قدمته لهم عاصفة الحزم من دعم وإسناد في إفشال المشروع الانقلابي المدعوم من إيران إن عدم ردعالحكومة وتغيير نهجها الذي يصعب تغييره إنما يلحق أبلغ الأضرار برئيس الجمهورية وبالأشقاء في دول التحالف.
5. أما الحقائق المتعلقة بسير المواجهة المؤسفة التي جرت يومي 28 و 29 يناير فقد أشارت إلى أن المتقاتلين لم يكونوا يرغبون في المواجهة لكن من أجبرهم على هذه المواجهة هو تلك الحكومة التي بلغ بها الهوس بالتشبث بكرسي الحكم حد الاستعداد لإزهاق الأرواح وإراقة الدماء وتزوير الحقائق وتلفيق الاتهامات للضحايا، وأهم الدروس التي يمكن استخلاصها هنا هو أن هذه الحكومة لا جمهور لها ولا نصير وإلا لكانت نظمت فعالية سلمية مؤيدة لها مقابل الفعالية السلمية المعارضة لها لكنها لجأت إلى الميزة التي اعتقدت أنها متفوقة فيها وهي سياسة القتل والمواجهة بالسلاح وقد رأيتم كيف كانت النتيجة.
ولعلكم علمتم أن الكثيرين من وحدات الحماية الرئاسية قد رفضوا تنفيذ الأوامر التي وجهت لهم من رئيس الوزراء ونائبه حرصا على الدماء والأرواح في شعور نبيل لم يتمتع به من أصدروا الأوامر وهو ما يعطي مبررا إضافيا لمعنى مطالبة المواطنين باستبدال هذه الحكومة بحكومة كفاءات تحرص على الإنجاز لا على الحكم وحيث ان عاصفة الحزم لا يمكن ان تنجح في أهدافها إلا بتقديم النموذج المغري والجذاب في المناطق المحررة فقد آن الأوان للشروع في إعادة الإعمار وفتح أبواب الاستثمار بما يحقق قدر من الاستقرار الاقتصادي والمعيشي ووضع اللبنات الأساسية للنهوض بحياة الناس في هذه المناطق، وحيث انكم قد اصبحتم شركاء لنا في صنع السياسات وتحديد ملامح المستقبل فأننا نؤكد لكم أنه لا وجود لأي مخرج لمعضلات اليمن إلا بمشاركتكم الفاعلة والحكيمة لاختيار سياسات جديد في معالجة القضايا الجديدة بما في ذلكم القضية الجنوبية التي سيكون لنا معها وقفة لاحقة، وحيث أن الحديث هنا هو عن الأزمة التي صنعتها حكومة بن دغر لتتستر بها على فشلها في إنجاز أبسط مهماتها وانصرفت إلى العبث بالموارد وتحويل حياة الناس إلى جحيم فإننا نؤكد لكم على التالي:
1. إن الفعالية الاحتجاجية التي دعت أليها منظمات مدنية متعددة وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي كانت موجهة ضد السياسات الخاطئة للحكومة ولم تكن تستهدف بأي شكل من الأشكال شرعية الرئيس هادي بدليل أن الرسالة المطالبة بإقالة الحكومة كانت موجهة إلى الرئيس هادي نفسه.
2. إن الحكومة التي توجه جنودها لقتل المواطنين الرافضين لسياساتها (باعتبارهم ثروة بشرية) هي حكومة لا تستحق أن تؤتمن على باقي الثروات القابلة للنقل والعبث وسوء الاستخدام وحكومة بن دغر قد برهنت على جرأتها في ممارسة القتل وإشعال الحرب من أجل البقاء على كرسي الحكم.
3. إن أي حل لقضية الحكم في ظل الحرب يجب أن يتأتى من خلال المجيء بحكومة إنجاز تكون قادرة على تقديم النموذج المتفوق اقتصاديا ومؤسسيا وإداريا وإخلاقيا بما يدفع المواطنين الواقعين تحت سلطة الانقلاب إلى الثورة على الانقلابيين والانحياز لعاصفة الحزم وتحقيق أهدافها وبغير ذلك سيظل الانقلابيون هم الواقفون في موقف المتفوق.
4. ولنا وقفة قادمة حول القضية الجنوبية وتعقيداتها بإذن الله.
وتفضلوا بقبول صادق التحيات وعظيم التقدير ووافر الشكر والامتنان.