عصام خليدي يكتب في ذكرى رحيل الفنان الكبير/ فيصل علوي الثامنة.. هـبـة السماء في فنون الــعــزف والـغـنـاء
بقلم الفنان/ عصام خليدي
يعتبر الفنان الكبير فيصل علوي منذ بداياته الأولى واحداً من أهم مطربي الغناء اليمني وتحديداً لون الغناء اللحجي (القديم والمعاصر) وممن ساهموا بفاعلية في استنهاض وبروز دور (الندوات اللحجية) في خمسينات القرن المنفرط، وأستطاع بما حباه الله من ملكات ومواهب (استثنائية متميزة) في عزفه المتقن المتمكن والبارع على آلة العود وغنائه الساحر الأخاذ وصوته العذب الرخيم نشر الأغنية اللحجية بنكهتها ومذاقها المتفرد بكل (حرفية وأمانة وصدق) ونجح بتوصيلها بمستوى فني رفيع عالي وراقي (ليبعث الروح إليها والحياة) مجدداً نافضاً غبار الزمان من عليها بإشتغالاته الإبداعية الرائعة الفذة .
والأهم من ذلك قدرته اللافتة في التعبير والتصوير بطريقته الإبداعية وقوالبه وجمله اللحنية (الفيصلية) التي جعلت المتلقي المستمع والمتذوق لأعماله وأغانيه في كل بقاع الأرض والمعمورة يرحل على بساط حنجرته وصوته القوي المعبر إلى جنائن الحسيني وبساتين الرمادة، ونستطيع القول مجازاً أن فيصل علوي يمتلك (صوتاً عابراً للقارات) .
لقد كان بن علوي رحمه الله أفضل وأروع وأعظم حنجرة وصبابة شذت وتألقت في أشعار وألحان العباقرة: الأمير أحمد فضل القمندان/الأديب العلامة عبدالله هادي سبيت/ مهندس معمار النغم فضل محمد اللحجي/الفيلسوف الأديب صالح فقيه/ المبدع صلاح ناصر كرد/ المتميز سعودي أحمد صالح/ الموسيقار محمد سعد الصنعاني/الأمير عبده عبد الكريم/ الأستاذ أحمد سالم مهيد/ الرائع علي حسين الكيله/ المبدع فضل ماطر .. وأخرين .
وداعبت أنامله وعزفت على أوتار عوده قصائد الشعراء الأساتذة: صالح نصيب/أحمد صالح عيسى/محمد العراشه/أحمد سيف ثابت/مسرور مبروك/سالم علي حجيري/عوض كريشه/صالح فقيه/عبدالله هادي سبيت/عبدالحليم عامر/الأمير محسن بن مهدي/صالح اللبن/عبده علي ياقوت/أحمد عباد الحسيني/الأمير صالح مهدي/عبده عبد الكريم/عبدالله سالم باجهل/مهدي صالح حمدون/أحمد علي النصري/محمود السلامي ..وغيرهم .
تميزت الحان الفنان الكبير فيصل علوي بقدرة فائقة في نقل وترجمة هموم وقضايا ومعاناة الإنسان اليمني البسيط المكافح بتلقائية وعفوية وعمق غير مسبوق مبتعداً عن التكلف والصنعة والإفتعال في تجربته ومشواره الفني إضافة إلى ذلك فقد شكل بعطائه ونتاجاته الإبداعية نموذجاً متألقاً (لإبن بيئته ومحيطه لحج الجمال والخضيرة) ونستطيع أن نلمس ونحس ذلك الأمر بوضوح في أغنياته ذات الطابع الشعبي الممزوج بالأصالة المتكئة على جذور ضاربة في أعماق التربة اليمنية التي نشم من خلالها عبق الأرض وروائح الفل والكاذي وهمس النسيم على وجنات زهور الياسمين .
قدم الفنان فيصل علوي تراث الأمير أحمد فضل القمندان بأسلوبه (المستقل والخاص) فأسس مدرسة (فيصلية) لها قوامها وبنيانها الغنائي الجديد أثرت بصورة واضحة وجلية على كل الأجيال المتلاحقة المتعاقبة إلى يومنا هذا .
أتسمت أغانيه التراثية والحديثة (بتنويعات نغمية مقامية وإيقاعية) ذات ثراء وخصوبة وحركة ورشاقة في الأرتام والإيقاعات التي أستخدمها بشكل عام معتمداً على غزارة الفلكلور والتراث اللحجي الضخم والزاخر والرقصات الشعبية التي ارتبطت بالأرض ومواسم الجني والحصاد والصرابة والزراعة بكل أشكالها وأنواعها بالإضافة للمناخات والطقوس والأمطار خلال فصول السنة وما يتبعها من تغييرات في طبيعة التربة ولا ننسى دور وأهمية دلتا وادي بنا وتبن وغيرهما من مناطق وجود المياه
وأثرها الإيجابي على الأرض والإنسان .
أبدع الفنان فيصل علوي في رحلاته الخارجية وتسجيلاته الفنية مع (الفرق الموسيقية الأوركسترالية) وتحديداً مع الملحن والموزع المصري الموسيقار عمار الشريعي والفنان حماده النادي ليصل (بصوته الذهبي الهبة) وبما قدمه من ألحان متعددة متنوعة إلى (ذروة التألق والإبهار والتفوق على ذاته) مسكتاً بذلك (النجاح المدوي) كل الأصوات النشاز التي حاولت التقليل من إمكاناته وطاقاته الإبداعية ومعلناً عن فشل (رهان) النفوس المريضة (حزب أعداء النجاح) فكان لفيصل علوي هذا الدور والسبق في إخراج الأغنية اللحجية من إطار المحلي إلى خارج الحدود الجغرافية مع الفرق الموسيقية العربية .
فأين الفضائيات اليمنية من تسجيلات بن علوي راقية القيمة والمضمون وأهمية الإفراج عنها بديلاً عما يبث من إسفاف وتخبط ..؟!!
قام بوضع وبناء وتأسيس (لزمات وأرتام إيقاعية) مستحدثه متطورة أثناء عزفه وغنائه تقوم بدور ومهمة البديل (للإيقاعات المصاحبة) في حفلاته ومشاركاته الفنية في الداخل والخارج .
تعامل مع ألوان الغناء اليمني ببراعة واقتدار : الصنعاني/اللحجي/الحضرمي/العدني/ اليافعي ..وأصبح واحداً من أبرز مشائخها وأساطينها ،كما لعب دوراً هاماً في نشر الأغنية اليمنية في الجزيرة العربية والخليج بل وتجاوز (بصوته الذهبي) كل الحدود (الجغرافية والكونية) .
ختاماً:
رحيل الفنان المبدع الرائع فيصل علوي خسارة فنية فادحة كبيرة بكل المقاييس والمعايير لا يمكن تعويضها على المدى المنظور أو البعيد فقد كان في واقع الأمر (ثروة فنية قومية تمشي على الأرض) لم تـــُــــقـــدر كما يجب وينبغي بما تستحق من التقدير والاهتمام والرعاية إلا بعد أن داهمته الأمراض وأصابه السقم والإحباط وفوات الأوان .
توفي الفنان الكبير فيصل علوي صباح يوم الأحد الموافق 7فبراير 2010م في مستشفى الجمهورية التعليمي م/عدن عن عمر ناهز (61) عاماً أثر مرض عضال ألم به في الفترة الأخيرة من مشوار حياته ...
رحم الله فقيدنا وفناننا الكبير بفنه الخالد بعطائه وخدمته للوطن المتواضع في سلوكه وأخلاقياته الأصيلة، وأسأل الله العلي القدير أن يلطف ويعين أسرته وأبنائه ليس إعتراضاً على مشيئة الخالق سبحانه وتعالى بل على تحمل سيل المقالات وأحاديث الذكريات التي ستنهال عليهم .. ولكن بعد أن فارقهم الى دار البقاء الأبدي .
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته ..
إنا لله وإنا اليه راجعون .
اقرأ المزيد من عدن الغد | الذكرى (الثامنة) لرحيل الفنان الكبير/فيصل علوي هـبـة السماء في فنون الــعــزف والـغـنـاء http://adenghd.net/news/301412/#ixzz56Jar3naM