صفقات التسليح القطرية.. عسكرة الأزمة تفضح ارتباك الدوحة
صفقات تسليح ضخمة تبرمها قطر مع قوى عالمية مختلفة، في سباق ترمي من ورائه للتعتيم عن وهن دبلوماسي فاضح، وفشل في إدارة أزمة خانقة بعثرت جميع أوراقها، وحشرتها في زاوية ضيقة بمحيطها المباشر.
عسكرة الأزمة
في ظل غياب تهديدات جدّية تشرعن إبرام عقود تسليح مماثلة، علاوة على صغر حجم القوات المسلحة التي يفترض أنها من ستقوم باستخدام تلك الترسانة الضخمة، خلص خبراء إلى أن الدوحة تسعى لعسكرة أزمتها الراهنة، عقب قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها معها منذ يونيو/ حزيران الماضي.
عسكرة غير مبررة، خصوصاً أن الرباعي المقاطع للدوحة لم يلوح في أي مناسبة، باللجوء إلى الحل العسكري ضد قطر، لأن المسألة تظل بالنسبة لتلك البلدان مرتبطة بإقلاع الدوحة عن تمويل الإرهاب الذي يزعزع استقرار المنطقة ويهدد أمنها.
خلاصة تظهر أن سباق التسليح المحموم الذي تخوضه الدوحة مع نفسها، بعيد كل البعد عن طابعه العسكري الذي يوحي به، وإنما يستبطن بعداً سياسياً، يشمل توطيد العلاقات مع القوى العالمية الكبرى، طمعاً في خلق جبهة قوى مضادة، أو هكذا يخيل للمسؤولين القطريين.
أطماع تظل أحادية الجانب، وفق الخبير العسكري الروسي فيكتور مورتاخوفسكي، والذي اعتبر في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك" الروسية أن "التعاون العسكري التقني مع دول مثل قطر هو مسألة لعبة طويلة الأمد".
فيما اعتبر مدير مركز تحليل التجارة العالمية للسلاح، إيجور كوروتشينكو، أن قطر قد تكون مهتمة بشراء منظمة الصواريخ "إس-400" لأن شراءها بات في الآونة الأخيرة مسألة هيبة وضمان الأمن لعدد من دول العالم ممن تتملكها طموحات سياسية وعسكرية.
غير أن السؤال الذي يحيّر المختصين هو كيف لقطر أن تنشر منصات صواريخ منظومة "إس- 400" التي تعتزم شراءها من روسيا في ظل استحالة قيامها بذلك على أراضيها، نظراً لصغر مساحتها.
الإجابة جاءت سريعاً، وهو أن قطر ستشتري منظومة الصواريخ الروسية، وستقوم بنشرها على الأراضي الإيرانية، في إطار حلف يفاقم من التهديدات التي تستهدف المنطقة.
نوايا عدوانية
رغم أن تدابير الدول المقاطعة لقطر اقتصرت على وقف العلاقات، وفقاً للأعراف والمواثيق الدولية المتعارف عليها، إلا أن فشل قطر في التوصّل لحل لأزمتها، مسّ من هيبتها، وأثار نقاط استفهام عديدة حول نجاعة سياستها الخارجية، وقدرتها على إدارة حالات الطوارئ المماثلة.
ولتغطية ارتباكها الدبلوماسي، وفي محاولة للقفز إلى واجهة الأحداث، لجأت الدوحة إلى استعراض قدراتها المالية على العالم، من خلال إنفاق مليارات الدولارات على عقود تسليح لا تحتاجها ولا يمكن لقواتها المسلحة المحدودة استيعابها.
لكن النوايا العدوانية التي تحملها الدوحة تجاه جيرانها، تدفعها إلى محاولة استقطاب الدول الكبرى بصفقات مماثلة، بل إن من المراقبين من اعتبر تلك الصفقات بمثابة "الرشوة" التي تدفعها الدوحة مقابل استعطاف شفقة القوى الكبرى، والتقاط صور مع مسؤوليها.
ففي وقت وجيز، تحولت قطر إلى ما يشبه المعسكر الذي تتجمّع فيه قواعد الجيوش من كل جنسية: فبالإضافة لقاعدة "العديد" الأمريكية التي يتمركز بها نحو 11 ألف عسكري أمريكي، يوجد أيضاً 5 آلاف جندي تركي، علاوة على الحرس الثوري الإيراني.
حضور عسكري خلق وضعاً جديداً بالمنطقة العربية، والأسوأ أنه يصنع ثغرات تسمح للقوى الأجنبية بالتدخل في الشأن العربي، مع ما يطرحه كل ذلك من زيادة النزاعات والتوتر فيها.
ومع أن الكثير من المطلعين على الشأن القطري يجزمون بأن قطر دولة صغيرة ولا يمكنها الدخول في حروب مع بلدان أخرى، إلا أن هذا الأمر لا ينفي وجود نية عدوانية مبيتة قد تلجأ الدوحة من خلالها إلى الحرب بالوكالة عبر إقامة تحالفات مع قوى أجنبية تناصب بلدان الخليج العداء.
ولعل مصدر التوتر الكبير في المنطقة يتأتى من إيران التي قد تستفيد من حصول قطر على الترسانة الضخمة من السلاح ومنظومة الدفاع الروسية، لإشعال المنطقة بالصراعات والنزاعات سعياً نحو تحقيق مطامعها الإقليمية.
فكما تدعم قطر الجماعات والتنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح، يمكن أيضاً أن تبسط أمام إيران سجاد القفز إلى الواجهة، وتوسيع بؤر حروبه التي يقودها بالوكالة في المنطقة إلى ما وراء الخطوط الحمراء.