الثورة المضادة في اليمن: ذهب صالح وبقي الحوثيون والإخوان وقطر

الثلاثاء 13 فبراير 2018 07:31:00
testus -US
العرب اللندنية

تقرير / صالح أبو عوذل

لم يجن اليمن من ثورة 11 فبراير 2011، غير الخراب والدمار. يجمع اليمنيون على أن علي عبدالله صالح دمر اليمن وقضى على مشروع الوحدة السلمي بالحرب في العام 1994، وما تبقى من الدولة اليمنية قضت عليه ثورة 11 فبراير التي دفعت بالحوثيين من جبال صعدة إلى وسط شوارع العاصمة اليمنية دون قتال.

منتصف مارس 2014، زرت ساحة الجامعة في صنعاء، حيث كان الحوثيون يسيطرون على مداخل ومخارج الساحة التي أغلقت بشكل تام، خضعت للتفتيش في مدخل البوابة من قبل طفل حوثي لا يتجاوز الـ15 من عمره، يحمل سلاحا آليا صينيا، وعلى مقربة من البوابة نصب الحوثيون خياما لعرض الصور الخاصة بالغارات التي شنها الطيران الأميركي على مدن يمنية مستهدفا عناصر مفترضة من القاعدة.

كان الجو في صنعاء معتدلا بالنسبة للسكان، باردا بالنسبة لي أنا القادم من عدن المدينة الساحلية إلى هضبة صنعاء (2300 متر عن سطح البحر). تجولت في الساحة، ثم قابلت محمد العنسي، وهو شاب من محافظة ذمار إلى الجنوب من صنعاء، يقيم في خيمة تقع في الجانب الآخر من خيام الحوثيين.

في الجهة المقابلة، آثار خيام كانت منصوبة، أخبرني العنسي أن تلك الخيام التي كانت هنا رفعتها توكّل كرمان. يومها كان اليمنيون انتهوا من عقد مؤتمر حوار مطول أنتج حلولا رفضها الجنوبيون، في أعقاب انسحاب الفريق المشارك في المؤتمر الذي رعته حينها المبادرة الخليجية. يضحك العنسي قائلا “توكل كرمان رفعت الخيام بعد أن أوهمت أصحابها أن الثورة انتصرت، في حين أنها لم تنتصر بل أتت بالأحمر زعيما خلفا لصالح”.

على بعد أمتار من منصة الساحة، سقط العشرات من المتظاهرين برصاص عناصر مسلحة، لم تعرف هويتهم حتى الآن، حيث يقول الإخوان إنهم مسلحون من أتباع علي عبدالله صالح، فيما يقول أتباع الأخير إنهم من جماعة الإخوان.

رفعت توكل كرمان، التي نصبتها أطراف إقليمية زعيمة الثورة في اليمن، شعار “كلما سقط شهيد اهتز عرش النظام”، ليتساقط الشباب قتلى بنيران عدوة وصديقة على أمل أن يسقط النظام.

وقفت أمام المنصة في المكان الذي وقفت فيه توكل كرمان قبل سبع سنوات تهتف “يسقط النظام”، لكن الذي سقط لم يكن النظام بل سقط اليمن بيد الحوثيين الموالين لإيران.

الحوثيون أصبحوا يتجولون في صنعاء العاصمة بكل حرية. الفضل في ذلك لثورة 11 فبراير. سحبت كرمان جزءا من الخيام، فيما تركت أخرى للحوثيين القادمين من صعدة.

دخلت إحدى الخيام الحوثية، وقابلت مجموعة من الفتيات كن يقمن بتصوير مجسمات لجنود أميركيين، فيما يقف وسطهن مسلح حوثي يخزن القات.

أخبرت المسلح بأني صحافي وأرغب في مقابلة المسؤول عن المخيم، ذهب مسرعا إلى خيمة مجاورة وتبعته إلى قرب الباب، حين خرج أحدهم وأخبرني بأن علي الانتظار لنحو ساعة لمقابلة المسؤول الأول عن ساحة الاعتصام بدعوى أن لديه اجتماعا هاما.

غادرت في هدوء من أمام بوابة الخيمة التي كانت تكتظ بالمسلحين، قبل أن أصادف ثلاثة جنود يرتدون زي الجيش اليمني، وهم يتناولون الطعام في الساحة. أخبرني أحدهم أنهم جنود في الفرقة الأولى مدرع وأتوا لتناول الطعام في الساحة، حيث وفرت دولة (في الإقليم) الطعام بشكل متواصل للمعتصمين رغم مرور ثلاثة أعوام على الثورة.

كان اليمنيون قد بدأوا بنسيان الثورة. لكن هناك جرحى تركتهم زعيمة الثورة دون علاج بعد أن طارت صوب قطر ومنها إلى تركيا، حيث حصلت على الجنسية وجائزة نوبل للسلام، نظير دورها في الثورة اليمنية التي لم يجن اليمن منها غير الحرب والدمار والاقتتال الذي لا يزال مستمرا. دعمت قطر الثورة ضد النظام اليمني، غير أن الإخوان الذين حكموا بعد علي عبدالله صالح فشلوا في أول مهمة، بعد أن وجدوا أنفسهم في مواجهة مع الشعب الذي اكتشف أن شيئا من تلك الوعود التي قطعتها كرمان لم يتحقق.

انتبه علي عبدالله صالح لما كان يخطط له الإخوان، فحاول الانتقام من جميع الأطراف التي اعتقد أنها أزاحته من السلطة. كان صالح حينها يراقب الحوثيين وهم يتمكنون من صنعاء، فيما السعودية تضع جماعة الإخوان في اليمن على قائمة الإرهاب، خاصة في أعقاب تزايد الخطاب الإعلامي المعادي لما كان يطلق عليه ثورة فبراير.

شعر الإخوان أن صالح في طريقه إلى التحالف مع الحوثيين، فسارعوا إلى طرق باب الرئيس الذي ثاروا عليه، وبرروا أن تحالفهم مع علي عبدالله صالح هدفه إيقاف عبث الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، رغم أنهم اعتبروا وصوله إلى سدة الحكم انتصارا للثورة التي دعمتها قطر ومولتها.

رفض علي عبدالله صالح التحالف مع الإخوان، فهم من حاولوا اغتياله في جامع النهدين عقب استهدافه بصاروخ قتل أبرز رجاله حينها. وجد الحوثيون فرصة كبيرة واستغلوا الخلاف الحاصل بين الأطراف الثلاثة (صالح والإخوان وهادي)، للتمدد صوب صنعاء وإسقاطها عسكريا لمصلحة إيران.

انطلق قادة الإصلاح في رحلة عبر الجو من مطار صنعاء العسكري إلى بلدة مران في صعدة، ليقدموا الطاعة لزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، الذي رحب بالحلفاء الجدد، الذين اعتبروا تحالفهم مع الحوثيين هدفه تجنيب أنصارهم أي قتال قد يكلفهم خسائر كبيرة.

تفاخر عبدالملك الحوثي بسقوط قوتين كبيرتين في صنعاء (الإخوان والمؤتمر)، فانطلق صوب العاصمة لإسقاط النظام الجديد وإعلان حكومة جديدة يقودها الحوثيون بتوجيهات السيد عبدالملك الحوثي.

لم يجن اليمن من ثورة 11 فبراير 2011، سوى الدمار والخراب، لكن ما يمكن الإشارة إليه هو أن شمال اليمن أصبح إيرانيا بامتياز، وأن حربا أخرى يخوضها الموالون لقطر بهدف إسقاط الجنوب بيد حلفاء الدوحة، ليصبح اليمن، شمالا وجنوبا، بيد إيران وحليفتها.

قطر، التي قدمت الشمال اليمني هدية لإيران، تبحث اليوم عن مساعدة من طهران لإسقاط الجنوب بيد قواتها المتواجدة في مأرب أو تلك التي هزمت مؤخرا في عدن على يد القوات الجنوبية التي أحبطت انقلابا قطريا إيرانيا في عدن يقوده مسؤولون في حكومة أحمد عبيد بن دغر.

الحديث عن يمن موحد بات مستحيلا، فالجنوب المحرر منذ ثلاثة أعوام بات اليوم تحت تهديد قطر وقد تسقطه، خاصة في ظل تحشيد ديني يقوم به علماء دين من الإخوان في مأرب يرون أن الحرب الثالثة على الجنوب هي حرب للدفاع عن الدين الإسلامي.

بات الجنوب، الحليف الأبرز للتحالف العربي، مهددا بالسقوط بيد الإخوان الموالين لقطر التي سعت مع إيران إلى إقناع بن دغر بالدخول في تسوية سياسية يكون فيها الحكم لصالح الإخوان في الجنوب والحوثيين في الشمال، ويكون بن دغر الرئيس المؤقت الخليفة لهادي.

لكن، التحالف العربي سرعان ما تنبه لهذا المخطط وعمل على إحباطه. واليوم، ليس أمامه من خيار غير إبعاد الجنوب عن مطامع الإخوان وتهديدات إيران وحليفتها قطر للتركيز على معركة استعادة الشمال.