بنحو 10 تريليونات دولار.. توقعات كارثية لخسائر الاقتصاد العالمي بسبب كورونا
أجبرت جائحة فيروس كورونا المستجد بعض الدول حول العالم على الإغلاق، حتى أصبح اقتصاد العالم في انكماش غير محتمل جراء تداعيات عدو البشرية، ومع بدء العام الدراسي في عديد من دول العالم، ومع تواصل ارتفاع أعداد الإصابات على المستوى الدولي بالفيروس، وتزايد أعداد المصابين بشكل ملحوظ في الدول الأوروبية خاصة بين الشباب.
ومع كل هذه التداعيات عادت التساؤلات مجددا: هل يجب إغلاق المدارس لتفادي انتشار الفيروس بين صغار السن، أم أن التكلفة الاجتماعية والاقتصادية لإغلاق المدارس ستكون شديدة الوطأة على الاقتصاد العالمي مستقبلا؟
ولا يوجد حتى الآن قول فصل أو كلمة ختامية يمكن الاستناد إليها للوصول إلى نتيجة حاسمة أو قاطعة بشأن تلك المعضلة، فلكل فريق مبرراته وأدلته على صحة توجهه وقناعته، المعارضون لإغلاق المدارس يستندون من بين ما يستندون إليه من براهين وحجج إلى دراسة لمعهد جريت أورموند ستريت لصحة الطفل وهو جزء من جامعة لندن، وخلاصة الدراسة أن "الأدلة الداعمة لإغلاق المدارس لمكافحة كوفيد - 19 ضعيفة للغاية".
وفيما يؤكد بعض الدراسات أن الاقتصاد العالمي مرشح لخسارة عشرة تريليونات دولار نتيجة إغلاق المدارس، يقف المطالبون بإغلاق المدارس والاعتماد على أساليب التعليم عن بعد وعن طريق الإنترنت على الجانب الآخر، مدافعين عن وجهة نظرهم بتصريحات لأحد أبرز الأطباء وعلماء الاجتماع في جامعة ييل الأمريكية الدكتور نيكولاس كريستاكيس بأن إغلاق المدارس له أهمية بالغة في التصدي لانتشار الفيروس.
وسط الجدل الدائر بين الطرفين حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن انقطاع عملية تعليم الأطفال في أعقاب جائحة فيروس كورونا، يعني انخفاض النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 1.5 في المائة في المتوسط سنويا حتى نهاية هذا القرن، أي ما يعادل 15.3 تريليون دولار، ويفترض هذا التقدير أن المجموعة الحالية فقط من الطلاب ستتأثر بعمليات الإغلاق، وأن الطلاب المستقبلين سيستأنفون الدراسة العادية.
وتشير الأرقام الدولية المتاحة إلى أن 91 في المائة من الأشخاص في مراحل التعليم المختلفة في جميع دول العالم أي ما يقرب من 1.6 مليار شخص تأثروا بإغلاق المدارس في 192 دولة.
ويقول الدكتور جوردان جار أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة أكسفورد، وأحد المؤيدين لاستئناف العملية الدراسية لـ"الاقتصادية"، "التغيب القسري للآباء والأمهات عن العمل لرعاية أطفالهم أثناء إغلاق المدارس يلقي بثقل شديد على الاقتصاد الكلي، إذ يؤدي إلى تراجع شديد في إجمالي ساعات العمل، كما ستكون الدولة مجبرة على تقديم مساعدات مالية للآباء والامهات".
وأضاف "سينخفض ذلك إجمالي الضرائب نتيجة تراجع أرباح الشركات بسبب انخفاض عدد العاملين، وفي المملكة المتحدة يمكن أن يؤدي إغلاق المدارس 12 أسبوعا إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1 في المائة، وفي الولايات المتحدة يؤدي الإغلاق ثمانية أسابيع إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 في المائة".
وفيما لم تمنع خسائر الاقتصاد الكلي لإغلاق المدارس المدافعين عن عمليات الإغلاق من التشبث بمواقفهم، ترى إيفين تيم الباحثة الاقتصادية، أن المدافعين عن استئناف الدراسة يتذرعون بالخسائر الاقتصادية الراهنة والمستقبلية، وماذا عن الخسائر الناجمة عن تفشي العدوى في المدارس، والخسائر المستقبلية الناجمة عن وفاة الأطفال نتيجة فيروس كورونا، وماذا عن الخسائر التي سيتعرض لها الاقتصاد إذا ارتفعت معدلات الإصابة والوفيات بين المعلمين والمعلمات؟
وتستشهد الباحثة التي تعد واحدة من الناشطين في المجموعات الداعية إلى إغلاق المدارس، حتى انتهاء الفيروس، بخلاصات عدد من الدراسات الأكاديمية التي عدت الإغلاق الاستباقي للمدارس وقبل ظهور العدوى، وسيلة أساسية تضمن أن يحافظ المجتمع على نفسه آمنا بشكل كبير.
وعلى الرغم مما تحمله وجهة النظر تلك في طياتها من اهتمام مباشر بصحة الأطفال، بغض النظر عن الخسائر الاقتصادية للمجتمع، فإنه لا تأخذ في الحسبان أن الأوضاع تبدو مختلفة في عديد من الاقتصادات النامية، فعمليات الإغلاق المدرسي تؤثر بشكل مباشر في رفاهية التلاميذ وأوضاعهم الصحية.
وأعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" أن إغلاق المدارس أدى إلى حرمان 300 مليون طفل حول العالم من الوجبة الغذائية المدرسية، التي تعد بالنسبة إليهم وجبة الطعام الأساسية في ظل عدم قدرة عائليهم على إمدادهم بالطعام الكافي.
وتشير الدكتورة فاندا كريس أستاذة علم الاقتصاد الاجتماعي في جامعة بروملي إلى أن عملية إغلاق المدارس تسرع من معدلات التسرب المدرسي، حيث يترك التسرب المدرسي بصمات خطيرة للغاية على الأوضاع الاقتصادية المستقبلية، وترتفع بسببه معدلات الأمية، ما يخفض قدرة المجتمع على التعامل مع أساليب الإنتاج التكنولوجي الحديث، وكذلك عدم القدرة على استيعاب النظم الإدارية المتطورة، ما يضعف معدلات النمو الاقتصادي في الأمد الطويل".
وتذكر الدكتورة فاندا أن بعض النماذج الإحصائية يكشف أن فقدان التعليم أثناء إغلاق المدارس خلال بعض فترات الحرب العالمية الثانية، كان له تأثير سلبي في الأوضاع الاقتصادية استمر لنحو نصف قرن بعد انتهاء الحرب.
كما يلمح البعض إلى أن الإغلاق المدرسي لفترة طويلة، يؤدي في كثير من الدول النامية إلى إخراج الفتيات من مجال التعليم، ويرتبط ذلك غالبا بتنامي ظاهرة الزواج المبكر، التي تترك بصمات سلبية على التطور الاقتصادي للمجتمع عبر عدم إدماج الفتيات في الهيكل الاقتصادي العام، ما يعوق عملية التحديث المجتمعي بصفة عامة.
ووسط هذا الجدل لجأ عدد من الخبراء إلى بناء نماذج إحصائية في محاولة للوصول إلى سيناريو متكامل للخسائر الاقتصادية المتوقعة من إغلاق المدارس، ووقف العملية التعليمية ولو مؤقتا.
قام أحد تلك النماذج على فرضية أن كل عام دراسي يعادل 10 في المائة من الأرباح المستقبلية الإضافية للفرد، وإذا أغلقت دولة ما مدارسها وجامعاتها لمدة أربعة أشهر فقط، فإن الخسارة في الأرباح المستقبلية ستكون 2.5 في المائة سنويا على مدار الحياة العملية للطلاب.
ويوضح نيك أرثر الباحث في مجال الإحصاء وأحد المشاركين في دراسة يتم إعدادها في جامعة جلاسكو لبحث التداعيات الاقتصادية لتفشي وباء كورونا، أن التقديرات الأولية تشير إلى أن الخسارة السنوية المستقبلية التي سيتعرض لها كل طالب نتيجة إغلاق المدارس لمدة أربعة أشهر فقط ستبلغ 1337 دولارا سنويا، ولا يعد هذا المبلغ كبيرا بالنسبة إلى الفرد، لكن إذا احتسب وفقا لإجمالي عدد الطلاب فإننا سنواجه أرقاما ضخمة للغاية.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث يبلغ عدد الطلاب 76 مليون طالب، فإن تكلفة الأرباح المستقبلية للاقتصاد الأمريكي نتيجة أربعة أشهر فقط من الإغلاق المدرسي ستبلغ 2.5 ترليون دولار أي 12.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، وإذا احتسبنا أن الاقتصاد الأمريكي يمثل نحو ربع الاقتصاد العالمي، فإن العالم قد يخسر ما يصل إلى عشرة تريليونات دولار على مدار الجيل القادم، نتيجة إغلاق المدارس لأربعة أشهر فقط الآن.
مع هذا فإن التيارات الداعية إلى إغلاق المدارس تشير إلى أن هناك عملية تبسيط اقتصادية شديدة من قبل أنصار استئناف الدراسة، حتى إذا لم يفلح العلماء في التوصل إلى لقاح أو مصل لمكافحة الوباء.
وأقر الدكتور إم. دي فيليب أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة شيفيلد ضرورة إغلاق المدارس والاعتماد على أساليب الدراسة عن بعد، على الرغم من علمه بأن كل عام إضافي من الدراسة يزيد الأجور بنحو 9 في المائة في المتوسط، وأن إبقاء المدارس مغلقة يخفض مستوى الأجور المتوقع الحصول عليها مستقبلا.
وأضاف "نحن ندعو إلى التعليم الافتراضي وليس إلى عدم التعليم، والأمر مختلف، فأغلب الدراسات التي أعدت لبحث الخسائر الاقتصادية لإغلاق المدارس بني على أساس إيقاف العملية التعليمية، بينما نتحدث عن بديل للعملية التعليمية التقليدية، مستخدمين في ذلك الأساليب التكنولوجية الحديثة".
لكن تلك الدعوات تتناسى أن التعليم الافتراضي في الواقع العملي سيكون أقرب إلى عدم التعليم بالنسبة إلى عديد من الأسر ذات الدخل المنخفض، خاصة في الدول النامية، حيث لا توجد شبكات إنترنت موثوق بها، كما أن البيئة المنزلية ذاتها غير ملائمة للدراسة عبر التعليم الافتراضي.