أوباميون.. أو ترامبيون!
هاني مسهور
دائماً وأبداً تعتبر الانتخابات الرئاسية الأميركية حدثاً مهماً في التاريخ الإنساني نظير ما تمثله الحضارة الأميركية في الحياة البشرية، الثقل الحضاري الأميركي يبدو متأثراً ومتراجعاً في الشرق الأوسط بعد حقبة الرئيس باراك أوباما، فالحقبة «الأوبامية» الطويلة زمنياً والمضرجة بدماء الضحايا والأبرياء الذين دفعوا ثمن سياسات زاوجت بين المتناقضات.
ما يسمى بـ«الربيع العربي» حفر في المنطقة العربية جراحاً مازالت مفتوحة برغم السنوات والمعالجات. وبرغم ذلك، فإن الاختلالات لتلك الحقبة من التاريخ الأميركي بلغت لكل حلفاء الولايات المتحدة. ففي الشرق الآسيوي، وقع الضرر باليابانيين والكوريين الجنوبيين الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، بعد أن تراخى أوباما في التعامل مع النشاطات العسكرية الكورية الشمالية، وهو ما يتطابق تماماً مع ما اتخذه من اتجاه معاكس لحلفاء واشنطن في الخليج العربي والشرق الأوسط، بإبرام الاتفاق النووي مع إيران دون اعتبار لمقتضيات الأمن للحلفاء التاريخيين في المنطقة.
الأوباميون الذين تستروا بشعارات حقوق الإنسان وقضايا المرأة والحريات هم ذاتهم، الذين نقلوا مشاهد الفوضى والعنف من شوارع المدن العربية في 2011 إلى شوارع واشنطن ونيويورك وشيكاغو، وعشرات المدن الأميركية رافعين قميص جورج فلويد كقضية إنسانية تم توظيفها سياسياً. وعلى غرار ما كان في العالم العربي حدث في الولايات المتحدة، فبينما كانت الفوضى العارمة في الشوارع، كانت وسائل الإعلام تسلط خصومتها على شخص الرئيس دونالد ترامب في رغبة جامحة لتكرار مشاهد إسقاط الأنظمة السياسية في العالم العربي.
الشراسة التي أظهرتها جماعات الضغط في قضية «فلويد» كانت تظهر حجم احتقان التيار الأوبامي. فمثلما تحالف «الديمقراطيون» مع تيارات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط سواء كان التيار الخميني أو جماعة «الإخوان»، تكرر المشهد في أميركا بالشعارات ذاتها، بل وتحت الرايات المتعصبة ذاتها في لهاث نحو كرسي السلطة في البيت الأبيض، ذلك المشهد القاتم لم يكن سوى استنساخاً وتحضيراً لمناسبة الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي عاد فيها توظيف كافة قضايا الحقوق المدنية، وحتى الخارجية لتوظفها الآلات الإعلام والمؤسسات الحقوقية للنيل من الرئيس ترامب.
الأوبامية وصلت لحد العبث بالحياة الديمقراطية بعد اتهامات الحزب «الجمهوري» بمحاولات تزوير لتغيير النتائج في انتكاسة كبرى للقيم الديمقراطية والمُثل الليبرالية التي يحملها الحزب «الديمقراطي» في الولايات المتحدة. هذه الانتكاسة تتطلب شجاعة أميركية لمعالجتها بما يضمن إعادة الاعتبار للقيم الديمقراطية التي يمثلها هذا الحزب، الذي انحرف منذ عقد من الزمن، ويبدو أنه تلوث باقترابه من أصحاب العمائم الانتهازيين في إيران والمنطقة العربية. التأثر السلبي بالتيارات الإسلاموية يلوث المجتمع الأميركي، وينعكس بسلبية أكبر على المواقف الأميركية مع حلفائها حول العالم، برغم من ما يبذله الرئيس ترامب في سياق التزامه بتعهداته الانتخابية بالمحافظة على حلفاء واشنطن ومساعدتهم.
بمقابل التيار الأوبامي، فإن السنوات الأربع التي ترأس فيها دونالد ترامب الولايات المتحدة صنعت تياراً سياسياً، أعاد لواشنطن كثيراً من الهيبة السياسية والعسكرية فالالتزام الأميركي مع الحلفاء كان سمة الحقبة الترامبية بامتياز. فتمزيق الاتفاق النووي وفرض العقوبات الأقسى على إيران كان تعبيراً للإرادة الأميركية التي تُرجمت في عقد صفقات السلام بين الإمارات والبحرين والسودان مع إسرائيل.
الترامبيون هم تيار لن تستطيع الولايات المتحدة رفضه، فهو التيار السياسي الذي سيتواصل داخل الحزب «الجمهوري»، وسيظهر في الحزب «الديمقراطي» أيضاً، فالسنوات الأربع عاشت فيها أميركا الواقعية السياسية بميزان الثقل الأميركي، وخلالها استعاد المواطن الوظائف واستعاد السياسي الأميركي أيضاً زمام المبادرة في كثير من الملفات الدولية. ولم تعد أميركا التي ترسم الخطوط الحمراء الوهمية كما رسمها أوباما في سوريا لتسقط براميل البارود من السماء وتخرج «داعش» من الأرض، ويبتز أردوغان العالم بورقة اللاجئين. السياسة متغيرة، وبين الأوبامية والترامبية صراع وجود سياسي يتفاعل في الحضارة الأميركية ويتأثر العالم بهذا الصراع.