صحيفة أمريكية تكشف عن تفاصيل الصفقة الدموية القطرية التي غيّرت وجه الشرق الأوسط

الخميس 15 مارس 2018 11:43:51
testus -US
المشهد العربي / نقلاً عن 24

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً مطولاً للصحافي روبرت فورث يكشف للمرة الأولى تفاصيل الفدية القطرية التي غيرت وجه الشرق الأوسط، والتي دفعتها الدوحة لطهران وجماعات شيعية وسنية وحزب الله، في إطار صفقة لإطلاق صيادين قطريين كانوا مخطوفين في العراق.

ويوثق التقرير بالتفصيل الاتصالات القطرية مع الجماعات الإرهابية في سوريا ومدها بمئات ملايين الدولارات، إضافة إلى دور قطر في التغيير الديمغرافي الذي يحصل في سوريا بالتعاون مع حزب الله وإيران، وإتاحتها المجال لطهران لتحقيق هدف أساسي  في سياق مشروعها تحويل سوريا مع العراق ولبنان واليمن، إلى دول تابعة لها.

وكشف التقرير أن حزب الله أرسل مبعوثاً رفيع المستوى إلى الدوحة حيث حدد بوضوح الشروط لإطلاق الصيادين، مؤكداً أن القطريين المخطوفين لدى ميليشيات شيعية في العراق سيحَرَرون لقاء مساعدة قطر في إتمام صفقة القرى الأربع، أي تبادل سكاني مع إيران وحزب اللخ تم بموجبه إخلاء كامل لبلدتي الفوعة وكفريا اللتين تقطنهما غالبية شيعية والواقعتين في ريف إدلب بشمال غربي سوريا كان يحاصرهما مقاتلون معارضون، مقابل إخراج مقاتلي بلدتي الزبداني ومضايا الواقعتين بريف دمشق الغربي، وكان يحاصرهما بشكل رئيسي حزب الله.

البداية
يبدأ التقرير بوصف دقيق لمبنى الشخصيات الهامة في مطار بغداد الدولي، المكان الهادئ والنظيف بعيداً من زحمة المبنى الآخر المخصص للركاب العاديين. إلى ذلك المبنى تحديداً، وصل في 15 أبريل (نيسان) رجل قطري على رحلة ليلية آتياً من الدوحة. وبعدما عرف عن نفسه بأنه مبعوث حكومي رفيع المستوى، قال إنه ورفاقه الـ14، لا يريدون أن تفتش حقائبهم.

كان القطريون يحضرون معهم 23 حقيبة متشابهة من القماش الخشن غطت حيزاً واسعاً من الأرضيات الخشبية للمطار. وكانت الحقائب ثقيلة جداً، ويفوق وزن كل منها 100 باوند إلى درجة أن الحمالين واجهوا صعوبة في جرها إلى غرفة.

وأصر العراقيون على تفتيش الحقائب. وبدا زعيم الفريق القطري مصدوماً بسماع ذلك. وبعدما أجرى اتصالات عدة أذعن للعراقيين وسمح لهم بتفتيش الحقائب. كان كل منها يحتوي على مربعات تشبه الطوب ولف كل منها بشريط أسود لا يمكن للماسح الضوئي اختراقه. وعندما سأل مسؤولو الجمارك القطريين عما هو موجود تحت الأشرطة رفضوا الرد. استمر الوضع على هذه الحال طوال الليل. وقرابة الفجر، استسلم القطريون الغاضبون وغادروا إلى بغداد دون حقائبهم. ولاحقاً، فتح العراقيون الحقائب ليكتشفوا إنها كانت تضم مزيجاً من ملايين الدولارات واليورو تعادل نحو 360 مليون دولار. وكانت الفواتير وحدها تزن نحو 2500 باوند.


بعد ذلك بأسبوع كان المال لا يزال محجوزاً، وغادر الفريق القطري بغداد بالطائرة نفسها التي وصل على متنها. ولكنه هذه المرة كان برفقة نحو 24 قطرياً، بينهم أعضاء من الأسرة الحاكمة كانوا خطفوا في رحلة صيد في جنوب العراق، قبل ذلك بـ 16 شهراً. وبقيت قصة ما حصل في تلك الرحلة مجهولة حتى الآن. وقد تضمنت صفقة مذهلة من حيث حجمها وتعقيداتها دفع بموجبها القطريون مبلغاً كبيراً جداً إلى إرهابيين على جانبي الانقسام الطائفي في الشرق الأوسط، ما ساهم في مفاقمة الحروب الأهلية الملتهبة في المنطقة.

تبادل سكاني
تجاوزت كلفة الصفقة لقطر 360 مليون دولار، ولكن في النهاية كان المال أقل أهمية من البعد السياسي للفدية. فمن أجل استعادة رهائنها، فاوضت الدوحة على تبادل سكاني في سوريا، مستغلة الفصائل المقاتلة التي تمولها لاقتلاع جميع سكان أربع بلدات استراتيجية. وقد عزز هذا التبادل الهدف الأوسع لإيران في تحويل سوريا، مع العراق ولبنان واليمن، إلى دول تابعة لها، وهو ما يقوي دور إيران في المنطقة.

وشكلت الصفقة ضربةً لإدارة دونالد ترامب الساعية إلى وقف العدوان الإيراني، ولآلاف السوريين الذين يعانون الجوع وأرغموا على ترك بلداتهم من خلال اتفاق ظل دون أن يكون للحكومة السورية أي كلمة فيه. فما بدأ عملية خطف تحول في نهاية المطاف معياراً للقوى الجيوسياسة التي تمزق المنطقة، وللفساد والحقد الطائفي والإرهاب. وكان لكل من تورط في تلك الصفقة شيئاً يُخفيه، باستثناء الصيادين التعساء ربما، الذين كانوا المحرك الأول وراء الصفقة.

وبعدما روى الصحافي كيف خُطف الصيادون في العراق، وكيف كان وقع خبر الخطف في الدوحة، قال إنه في غضون أيام، أدركت الحكومة القطرية أن الأمراء المخطوفين وقعوا على الأرجح في يد ميليشيا شيعية مرتبطة بإيران، ما يضع مصيرهم بين يدي الرجل الذي قد يعتبر الضابط الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط،الجنرال قاسم سليماني الذي يسيطر على "فيلق القدس" مع شبكة واسعة من القوات الرديفة والحلفاء في المنطقة.

وسليماني يرفع تقاريره مباشرةً إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ويُعتبر على نطاق واسع شخصية أوسع نفوذاً من الرئيس الإسراني أو وزير الخارجية. وقد وجه الجهود الناجحة لإيران لتقويض السياسة الأمريكية في العراق منذ العزو الأمريكي للعراق عام 2003، وفي 2002، وصفته مجلة أمريكية بأنه "الرجل الأخطر في العالم".

بدا سليماني غير مهتم كثيراً بفدية مالية. كانت أولويته سوريا على مدى سنوات، حيث قاتلت إيران كثيراً لإنقاذ نظام الرئيس السوري. وكانت سوريا بالغة الأهمية لطهران منذ ثمانينات القرن الماضي حين بدأ النظام الإيراني يشحن الأسلحة عبرها إلى حزب الله الذي يعمل ذراعاً لها في لبنان.

بيادق ثمينة في يد سليماني
حين اندلعت الحرب الأهلية في سوريا سنة 2011، تعرّضت صلة الوصل هذه بين طهران وحزب الله للخطر. بالنسبة إلى سليماني الذي أدار القوات العسكرية الإيرانية في سوريا، تحولت الحرب الأهلية هناك إلى حرب وجودية من أجل الدفاع عن الحليف الوحيد الذي تثق بلاده به. وفجأة أصبح الرهائن القطريون بيادق ثمينة في هذه اللعبة الجيوسياسية.

تمتعت قطر بنفوذ قوي لدى فصائل المعارضة التي تمولها. وهذا النفوذ يمكن أن يكون مفيداً بالنسبة إلى استراتيجي مثل سليماني الذي تغيرت مقاربته إلى سوريا بعدما أصبحت الحرب الدموية تراوح مكانها. بحلول سنة 2015، كان سليماني وحزب الله يبحثان عن طرق جديدة لتعزيز السيطرة على مناطق أساسية بالقرب من دمشق: لا قتل الثوار وحسب بل تهجير السكان المدنيين السنة الذين حافظوا على الثوار وأمنوا لهم الحماية. وأمِلوا في نهاية المطاف أن يوطنوا شيعة في هذه المناطق. لقد كان مخططاً مظلماً يعتمد التطهير العرقي، لكنه إذا نجح فإنه سيرسّخ النفوذ الإيراني في سوريا على المدى الطويل.

قبل اختطاف الرهائن القطريين بوقت قصير، بدأت إيران تبذل الجهد لإحداث هذا التغيير الديموغرافي. في اجتماع سري في اسطنبول سهلته الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2015، اقترح موفد من فيلق القدس التابع لسليماني اتفاقاً عرف باسم اتفاق البلدات الأربع، وبموجبه، يُنهي حزب الله حصار بلدتين للمعارضة بالقرب من الحدود اللبنانية، مضايا والزبداني، واللتين شكل مقاتلوهما تهديداً مستمراً لنظام الأسد في دمشق. في المقابل يُنهي المقاتلون الممولون من قطر حصار بدلتين شيعيتين في شمال غرب سوريا هما الفوعة وكفريا. ويحقق هذا الاتفاق هدفين لإيران: إزالة تهديد الثوار في منطقة استراتيجية وإنقاذ الشيعة المعرضين للخطر في الشمال والذين كانت تصل صرختهم باستمرار إلى قاعدة حزب الله الشيعية.

كانت تفاصيل الصفقة غامضة في البداية، ولكن الإيرانيين اقترحوا في مرحلة ما أن يتبادل السكان البلدات، مع تبادل الشيعة والسنة أماكنهم وربما منازلهم. وقدم الإيرانيون ذلك على أنه مبادرة إنسانية بحجة أن إنهاء الحصارين سيعود بالفائدة على السكان في البلدات الأربع. ولكن ناطقاً باسم المقاتلين في اسطنبول رفض الفكرة تماماً، واصفاً إياها بأنها جهد متغطرس لإعادة رسم النسيج الطبيعي السوري من مختلف الجماعات الدينية والإتنية مع حسابات طائفية صرفة.

ومع خطف الصيادين القطريين، فازت إيران بنفوذ قوي جداً على نفس هذه الفصائل، أو بالأحرى على كبير المستفيدين منها في قطر. وعادت خطة إخلاء البلدات الأربع إلى الطاولة بعدما جُمدت عقب محادثات في اسطنبول.

لم يطل الوقت حتى أوضح وكلاء سليماني كل هذا الأمر للحكومة القطرية. واستخدموا، مرسالاً لهم حزب الله الذي كان يحظى بثقة جميع الفُرقاء: طهران والدوحة والميليشيا الشيعية التي تحتجز الصيادين القطريين.

وتمكنت إيران من خلال حزب الله أيضاً من الحفاظ على بعض السيطرة على المفاوضات المتعلقة بالفدية التي كان يمكن أن تنتهي بدفعة نقدية سريعة إلى الخاطفين العراقيين. وأرسل حزب الله مبعوثاً رفيع المستوى إلى الدوحة وحدد الشروط بوضوح: تحرير المخطوفين لقاء مساعدة قطرية في إتمام صفقة البلدات الأربع.

وافق القطريون الذين كانوا أقل اهتماماً بالتبعات الأوسع للصفقة منه بسلامة الأمراء، على استضافة سلسلة طويلة من المحادثات التي تضم أفرقاء عدة مرتبطين باتفاق البلدات الأربع: حزب الله والإيرانيون والفصائل السورية. والتقى الافرقاء المتحاربون على نحو منفصل مع مفاوضيهم القطريين. وركزت أكثر المفاوضات على الأمور اللوجيستية، وخصوصاً أن نقل مدنيين في منطقة حرب متحركة ليس مهمة سهلة، وكانت ثمة خلافات كثيرة يتعين حلها. وكانت بعض الفصائل المسلحة معارضة لعملية النقل السكاني، ولم يكن النظام الذي لم يشارك في الصفقة متحمساً لها أيضاً.

شراء الفصائل
وفي النهاية،  سقطت خطة التبادل بين السنة والشيعة في البلدات الأربع بعد اعتبارها طموحة جداً، وبدل ذلك، اتُفق على نقلهم إلى مناطق آمنة، على أن يدرس مستقبل كل بلدة على حدة في وقت لاحق. ولكن ذلك وحده تطلب أيضاً بعض التنسيق بين الفصائل المسلحة على طرفي الحرب، ولعب المال دوراً مهماً في تبديد كل تلك العقبات، إذ لم تكن الفصائل السنية المتحالفة مع قطر لتقبل بخطة إيرانية مجاناً.

ولكن مع مرور الأشهر، لم يحدد موعد لإطلاق الرهائن، الأمر الذي أثار استياء القطريين الذين باتوا يشكون في  التزام الإيرانيين بتنفيذ وعودهم. عندها بدأوا يستكشفون طرقاً جديدةً، وزارت الدوحة أفواج من الوسطاء الذين عرضوا خطط إنقاذ أخرى مقابل مبالغ ضخمة.

الوسيط العراقي الحاسم
استغرق الأمر 16 شهراً تقريباً لتجد العائلة الحاكمة في قطر الرجل الذي يتمتع بالنفوذ والاتصالات لعقد الصفقة التي حصلت مطلع أبريل (نيسان) 2017 في الاجتماع السنوي لوزراء الداخلية العرب الذي عقد تلك السنة في تونس.

ففي حينه، قدم وزير الداخلية القطري إلى نظيره العراقي قاسم الأعرجي، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة بالميليشيات الشيعية. وأمضى الرجل سنوات عدة في المنفى في إيران وسجن مرتين لدى القوات الأمريكية في العراق قبل عقد، للاشتباه في تهريبه السلاح الذي يستخدم لمهاجمة قوات أمريكية. وأطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة.

وقال الأعرجي إنه يعرف الخاطفين، ورغم امتناعه عن تسمية الجماعة، التي تبين لاحقاً أنها "كتائب حزب الله" التي أسست في العراق قبل عقد وشنت مئات الهجمات ضد جنود أمريكيين، وتدربت وسُلّحت على يد "فيلق القدس"، أكد الأعرجي أنه يملك خطة للإفراج عن الصيادين، حسب مسؤول قطري رفيع المستوى.

ولكن الخُطة أُرفقت بشروط غير معهودة، إذ طالب بتفويضٍ للتوسط شخصياً، وطلب من نظيره القطري الامتناع عن الحديث عن المسألة إلى أي شخص آخر في العراق، حيث تثير الانقسامات السياسية والطائفية أجندات متنافسة، فوافق الوزير القطري.

كان المال جزءاً من الاتفاق، نوعاً من التحلية يُضاف إلى اتفاق البلدات الأربع. وأبلغ المسؤول القطري الذي وصف الاجتماع، إلى الصحافي الأمريكي، أن المال كان مخصصاً لتمويل مرفأ جديد وسفارة في بغداد. ولكنه لم يبد مرتاحاً وهو يقول ذلك، والواضح أن تلك الرواية كانت تغطية للفدية.

وفد وحقائب
وبعد ذلك بأسبوع، وصل فريق التفاوض القطري إلى بغداد مع حقائبه الـ23، ولكنه سرعان ما اكتشف أن الأعرجي بالغ في وصف نفوذه لدى الحكومة العراقية، ومطار بغداد.

وفي بغداد، رأى وورث صوراً للنقود المغطاة على آلات المسح الضوئي وقطريين غاضبين في بهو منطقة الشخصيات المهمة ومحاطين بأكياس سوداء. وعندما اكتشف رئيس الوزراء العراقي نوايا القطريين غضب جداً، وقرر رسم خط في الرمال لإيران ووكلائها، فأرسل فريقاً مسلحاً للإرهاب المضاد لحراسة الحقائب الـ23 من النقود، والتأكد من منع تسريبها إلى الخاطفين. وبعدما استسلم الفريق القطري وترك المطار إلى بغداد، نجح فريق العبادي في نقل المال إلى قبو في المصرف المركزي العراقي.

نُقل القطريون من المطار إلى المنطقة الخضراء في بغداد، حيث أنزلوا بموجب تدابير مقررة سلفاً في مقر ضيوف رئيس الوزراء، نفس الرجل الذي حجز مبلغ الـ360 مليون دولار.

وهدد تدخل العبادي بتقويض الاتفاق الذي أُعد بحذر طوال أشهر من اللقاءات في الدوحة، إذ كان مفترضاً أن تسلم الحقائب الأربع في الوقت نفسه الذي تنفذ فيه الفصائل المتحالفة مع قطر شروط اتفاق البلدات الأربع.

في ذلك اليوم بالذات، كان المسلحون السنة مترددين في نقل المدنيين الشيعة إلى باصات خضراء والتوجه معهم على طريق حلب، حيث كانوا سيُسكّنون بمساعدة النظام السوري. وفي موازاة ذلك، كان مقاتلو حزب الله يستعدون على مسافة 200 ميل جنوباً لمواكبة آلاف من الأشخاص إلى خارج مضايا والزبداني.

ولم يكن مبلغ 360 مليون دولار وحده على المحك. فلضمان دعمهم لنقل السكان، دفعت قطر للميليشيات مثل جبهة النصرة وأحرار الشام، نحو 50 مليون دولار على الأقل، حسب مسؤول عراقي بارز وأشخاص على صلة بالجماعات المسلحة.

اتصالات في بغداد
أمضى المبعوثون القطريون يومهم الأول يجرون اتصالات هاتفية على خطين، إذ كان عليهم مراقبة عمليات نقل المدنيين في سوريا، وحريصين على استعادة الحقائب ال23. وقد جندوا جميع من يعرفونهم في العراق للمساعدة، بما فيها الميليشيات الشيعية. ودعموا مطالبهم، كما قال مسؤولون عراقيون للصحافي، بحملة مخزية من الرشاوى استمرت أسبوعاً، عارضين على مسؤولين ووزراء ونواب مبالغ ضخمة من المال وشققاً فخمة في الدوحة ودبي. إلا أن أياً من هذه المحاولات لم ينجح في استعادة الـ 360 مليون دولار من العبادي وحلفائه المقربين منه.

انفجار يودي بـ 126 شخصاً
وقبل نهاية اليوم، حصل أمر أرخى ظلالاً مقلقة جديدة على الحسابات المحيطة بصفقة البلدات الأربع. فعند الساعة 3:30 بعد الظهر، توقفت باصات تنقل مدنيين بعيداً من بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين في منطقة تسمى الراشدين، غرب حلب. وصلت شاحنة هيونداي زرقاء وتوقفت قرب أحد الباصات قبل أن تنفجر.

كان الانفجار قوياً جداً. وأظهرت مشاهد من الموقع باصاً أبيض وأخضر محترقاً من الداخل ونوافذه مهشمة.

قتل في الانفجار 126 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين الذين أُجلوا من القريتين، وبينهم 68 طفلاً، وجرح مئات آخرون. ولم يعرف من نفذ الهجوم ولكن جميع من تحدث إليهم الصحافي كانوا يعتقدون أنه هدف إلى وقف صفقة البلدات الأربع التي اعتبرها مقاتلون وبعض الفصائل الجهادية كهدية لإيران.

وشكلت صور الباصات التي اسودت نتيجة النيران تذكيراً وحشياً بأن اتفاق البلدات الأربع لم يكن مجرد مفاوضات في غرف خلفية وأكياس من النقود. فالعائلات على متن تلك الباصات أُرغمت على ترك منازلها. وكان المسؤولون القطريون الذين تحدث إليهم الصحافي الأمريكي يعتقدون أنهم يشاركون في عملية إنقاذ إنسانية لضحايا الحصار، وأبلغته عناصر من أحرار الشام بالأمر نفسه.

ولكن سوريين كثراً رأوا في نقل السكان نفياً قسرياً يناسب خطة دبرها غرباء، وقد أغضبهم ذلك. وانطبق ذلك خاصةً على أولئك في بلدتي مضايا والزبداني السنيتين، إذ كان معظم سكانهما مترددين في المغادرة حتى بعد سنوات من الحصار خلفت مئات الضحايا الذين ماتوا جوعاً وبرصاص قناصة حزب الله.

وتحدث الصحافي عبر الفيديو مع أشخاص أخبروه كيف حول حصار حزب الله مضايا إلى معسكر اعتقال.

لكن رغم التفجير والقصف، تواصل نقل السكان، وفي غضون أيام قليلة كان اتفاق البلدات الأربع قد أنجز تقريباً.

فيديو الصيادين القطريين
وبالتزامن مع نهاية العملية، تسلل فريق التفاوض القطري في إحدى الليالي من المنطقة الخضراء في سيارات رباعية الدفع، وغيّر سياراته مراراً لتجنب لفت الانتباه، ووصل الى موعد مع ميليشيا شيعية في ضاحية الكرادة. وخلال الاجتماع اطّلع القطريون على فيديو حديث للرهائن القطريين، في دليل على أنهم لا يزالون أحياء.

بعد ذلك اليوم، بدأ الفريق القطري يوضب أمتعته وطلب من مضيفيه السماح له بمغادرة البلاد. وكانت الحقائب الـ 23 لا تزال محتجزة في قبو المصرف المركزي العراقي، ولكن بدا أن القطريين وجدوا طريقة أخرى لتلبية مطالب الخاطفين.

مفاجأة...حمام وقصة شعر
وفي الوقت نفسه، حصل أبو محمد وأعضاء آخرون من العائلة الحاكمة في قطر مفاجأة من حراسهم، إذ أبلغوا أنهم سيحصلون على حمام وقصة شعر.

كان الصيادون قد أمضوا 16 شهراً في طابق سفلي بلا نوافذ في جنوب العراق، على مسافة بضع ساعات من مكان خطفهم. وكان نظامهم الغذائي الفقير أضعفهم جسدياً. وأمضوا النصف الأول من فترة احتجازهم مقطوعين عن العالم، مع نسخة وحيدة من القرآن.

 ولاحقاً، أعطاهم حراسم تلفزيوناً. ومن خلال نشرات الأخبار عرفوا أن صفقة سياسية تحضّر في سوريا وتشمل رهائن ومبادلة سكان. وقال أبو محمد: "اشتبهنا في أن هذا الأمر يتعلق بنا".

اقتيد الرجال خارج السجن ونقلوا بسيارات ساعتين إلى منزل بدا مزرعة فخمة خاصة. وهناك، كان في انتظارهم الرهائن من غير الأمراء الذين احتجزوا في مكان منفصل. وبعدما تعانقوا وتبادلوا القصص، اكتشفوا أن المحتجزين الذين لا ينتمون إلى عائلة آل ثاني عوملوا معاملةً أفضل، بالأكل والشرب والاستحمام فضلاً عن حراسة محترمة.

ولكن معاملة أسرى العائلة الحاكمة تبدلت في اليومين التاليين، وصار هؤلاء يخاطَبون باحترام، وأقيمت لهم مآدب شهية من المسقوف، الطبق العراقي التقليدي. وفي إحد الليالي قُدّم لهم خروف مشوي. وصباح 21 أبريل (نيسان) نُقل الرهائن إلى بغداد حيث أقيم لهم استقبال رسمي في وزارة الاستخبارات قبل نقلهم إلى المطار.

كانت رحلة الساعتين إلى الدوحة مليئة بالضحك حسب أبو محمد. وفي مطار الدوحة كان أقاربهم في انتظارهم. وكان أمير قطر هناك أيضاً وعانق المخطوفين العائدين.

700 مليون دولار و...مطار بيروت
ويقول وولف إنه لا يزال ثمة لغز في القضية، إذ كيف أمكن إطلاق القطريين فيما كان مبلغ 360 مليون دولار لا يزال محتجزا؟.

ونقل الصحافي عن مسؤول عراقي كبير أن القطريين وافقوا على تأمين دفعة جديدة من المال عبر بيروت، بنفس المبلغ تقريباً. وقال له مسؤول آخر إن قاسم سليماني نفسه هو الذي أجرى الاتصالات الأخيرة لإطلاق الرهائن.

ويشرح الصحافي أن تتبع مسار المال يوضح الأمور. فحزب الله يتمتع بنفوذ كبير في مطار بيروت، ولم يكن ليواجه أي مشاكل في تمرير المبلغ عبره. ومن شأن هذه الفرضية، إذا كانت صحيحة، أن ترفع إلى 770 مليون دولار على الأقل المبلغ الذي دفعه القطريون لتحرير الرهائن، وربما أكثر بكثير.

وتحدث الصحافي عن تقارير عن مبالغ بملايين أخرى من الدولارات دفعت لوسطاء إلا أنه لم يكن قادراً على تأكيدها.

وثمة مليونان آخران دفعتهما عائلة آل ثاني لبائع أحذية يوناني عرض التوسط أيضاً، والرشاوى التي دفعها المبعوثون القطريون خلال الأسبوع الذي أمضوه في بغداد. لذلك، يسهل تخيل مبلغ يقارب مليار دولار.

وبعد سنة تقريباً من اتفاق الفدية القطري، لا يزال الشعور بتأثيرها حاضراً من الدوحة إلى واشنطن.