الاقتصاد التركي يلفظ أنفاسه بسبب ممارسات أردوغان المشبوهة

السبت 28 نوفمبر 2020 18:45:58
testus -US

يشهد الاقتصاد التركي حالة من الاحتضار عقب الممارسات المشبوهة التي يفتعلها الرئيس ‏التركي رجب طيب أردوغان بالمنطقة.‏

ويسابق المسؤولون عن الاقتصاد التركي الوقت للتخلص من السياسات التدخلية، التي قادها ‏‏"بيرت البيرق" صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير ماليته السابق، لكن العودة إلى ‏سياسات اقتصادية تحترم قواعد السوق الحرة قد تعني مزيدا من تذبذب سعر العملة التركية ‏الليرة‎.‎

وبحسب وكالة "بلومبيرج" للأنباء، فإنه منذ الإطاحة بمحافظ البنك المركزي التركي واستقالة ‏البيرق من وزارة المالية في وقت سابق من الشهر الحالي، بدأت تركيا رفع القيود التي تمنع ‏المضاربين من خفض قيمة الليرة، كما ألغت قاعدة تمنع المقترضين من تمديد قروضهم ودفع ‏أعلى معدل للفائدة خلال عامين‎.‎

ورحب المستثمرون بالعودة إلى مبادئ السوق، مع رفضهم لتأكيدات الرئيس أردوغان بأن الفائدة ‏المرتفعة تغذي معدل التضخم‎.‎

ويقول المحللون إن الخطوة التالية المنطقية، ستكون تخفيف أكثر للقيود على مبادلات العملة ‏وتعاملات المشتقات المالية، التي يمكن للبنوك المحلية القيام بها مع البنوك الأجنبية، والتي كانت ‏قد جعلت الحصول على الليرة التركية في الخارج أمرا مكلفا للغاية‎.‎

ويرى المحللون أن هذه الخطوة لن تساعد كثيرا في إعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي لتركيا، في ‏حين يمكن أن تزيد الضغوط على العملة المحلية، على الأقل في البداية‎.‎

ونقلت "بلومبيرج" عن هاكان كارا، كبير خبراء الاقتصاد في البنك المركزي التركي منذ 2003 ‏حتى الإطاحة به من منصبه في العام الماضي القول إن "رفع القيود على مبادلات العملة، قد ‏يؤدي إلى تذبذب في احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي وتذبذب أسعار العملة، وهو ما ‏يمكن أن يؤثر سلبا في ثقة الأسواق.. على السلطات وضع خطة عمل بالتنسيق مع البنوك ‏لتخفيف القيود على المعاملات الدولية تدريجيا، وفي الوقت نفسه تنظيم مشتريات البنك المركزي ‏من العملات الأجنبية لكي تحل محل المبادلات‎".‎

وفي إطار جهود إعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي المستنزف، تدرس السلطات التركية إعادة ‏تنظيم مزايدات لشراء الدولار بالليرة لأول مرة منذ 2011 بحسب ما نقلته "بلومبيرج" عن ‏مصدر مطلع‎.‎

وفي حين يمكن أن تؤدي هذه الآلية إلى إيجاد ضغوط جديدة على الليرة المتراجعة بالفعل، يقول ‏خبراء الاقتصاد: إن المسؤولين قد يختارون في البداية طرح سندات دولية في محاولة لزيادة ‏احتياطي النقد الأجنبي، وتأجيل تنظيم مزايدات شراء الدولار حتى تعود أسعار الصرف في ‏السوق إلى المستويات الطبيعية‎.‎

وجاء الإعلان عن أول طرح للسندات الدولية التركية، في أعقاب إعلان هيئة الرقابة المصرفية ‏التركية الثلاثاء الماضي اعتزامها إلغاء ما تسمى "قاعدة معدل الأصول‎".‎

وعينت الخزانة التركية بنوك جولدمان ساكس الأمريكي وإتش.إس.بي.سي البريطاني ومورجان ‏ستانلي الأمريكي لإدارة طرح السندات التي يبلغ مداها عشرة أعوام‎.‎

المحتمل تنظيم مزيد من طروحات السندات الدولية في إطار سعي البنك المركزي لزيادة احتياطي ‏النقد الأجنبي، بحسب أحد المحللين الاقتصاديين في لندن‎.‎

من ناحيته، قال مسؤول في البنك المركزي التركي تعليقا على الموضوع، إنه سيتم الإعلان عن ‏تفاصيل أدوات السياسة النقدية وطرق استخدامها، قريبا، لتحقيق الشفافية والمحاسبة والقدرة على ‏التنبؤ‎.‎

وحتى أغسطس الماضي سعت تركيا إلى منع عمليات البيع على المكشوف، من خلال منع ‏المستثمرين الأجانب من الاقتراض من البنوك المحلية‎.‎
وتميزت فترة عمل البيرق في وزارة المالية ومحافظ البنك المركزي السابق مراد أوصال ‏بعمليات بيع كثيفة للعملة الأجنبية بهدف تعزيز قيمة الليرة دون الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة. ‏وتراجع إجمالي احتياطي النقد الأجنبي لدى تركيا 22 في المائة خلال العام الحالي ليصل إلى ‏‏82.4 مليار دولار‎.‎
وبحسب عديد من المسؤولين المطلعين على ملف احتياطي النقد الأجنبي التركي، فإن هذا ‏الاحتياطي شهد تراجعا دراماتيكيا خلال العام الحال، وهو ما أقنع أردوغان أخيرا بضرورة ‏الإطاحة بكل من وزير المالية ومحافظ البنك المركزي‎.‎
وتعني التغييرات، التي تمت في وقت سابق من الشهر الحالي أن البنوك تستطيع الآن بيع الليرة ‏إلى المؤسسات الأجنبية بما يصل إلى 5 في المائة من إجمالي تعاملاتهم، التي تتم خلال سبعة ‏أيام.‏

‏ وزاد الحد الأقصى إلى 10 في المائة بالنسبة للتعاملات التي تتم خلال شهر و30 في المائة ‏للتعاملات التي تتم خلال عام‎.‎

ومن شأن خفض القيود على المبادلات تقليص التباين في أسعار العائد، بين الأسواق المحلية ‏والأسواق الدولية، بما يوفر خيارا آخر أمام البنوك التركية للاحتفاظ بالليرة وتشجيع المتعاملين ‏في الاستثمار فيها‎.‎

كما يسهل ذلك على المضاربين المضاربة على الليرة، لأن عددا أقل منهم سيلجأ إلى الآلية ‏الخاصة بالبنك المركزي وهو ما يمكن أن يؤثر في مستويات احتياطي النقد الأجنبي‎.‎

وبحسب متعاملين، فإن البنوك العامة لم تبع العملات الأجنبية للدفاع عن الليرة منذ تولي الفريق ‏الاقتصادي الجديد المسؤولية في وزارة المالية والبنك المركزي، وهو ما يشير إلى تحول رئيس ‏آخر في السياسة النقدية‎.‎

وقال إيرفن كيرك أوجلو المحلل الاقتصادي المستقل في إسطنبول "لا شك أن الخطوة التالية ‏ستكون تخفيف القيود على المبادلات لإعادة الأسواق إلى حالتها الطبيعية. لكن من الصعب ‏التحرك بسرعة في هذا الاتجاه في ظل ضعف مستوى السيولة النقدية في سوق الصرف وهو ما ‏يجعل الليرة عرضة لهجمات المضاربين‎".‎

استقالة بيرق من الصندوق السيادي
واستقال صهر أردوغان من منصبه كنائب لرئيس صندوق الثروة السيادية الضخم في تركيا، ‏ليكمل مسلسل تخليه عن مناصبه الرسمية، الذي بدأه باستقالة مفاجئة من منصب وزير المالية‎.‎

وكان ينظر إلى براءت البيرق على أنه ثاني أقوى شخصية في تركيا حتى رحيله عن الحكومة ‏بداية الشهر الجاري. وكان البيرق (42 عاما) قد أعلن في 8 نوفمبر استقالته من منصبه كوزير ‏للمالية متحدثا عن أسباب صحية‎.‎

وتجاهلت وسائل الإعلام الحكومية استقالته من منصبه البارز لأكثر من 24 ساعة، حتى قبلها ‏أردوغان رسميا في الليلة التالية‎.‎

وظل البيرق يحتفظ بمنصبه كنائب لرئيس صندوق الثروة السيادية، الذي تم إنشاؤه في 2016، ‏ويدير الآن أصولا عامة تبلغ قيمتها رسميا 22,6 مليار دولار‎.‎

ولم يفصح مكتب أردوغان عن كثير من التفاصيل بشأن رحيل البيرق، مشيرا في بيان من جملة ‏واحدة إلى أنه "ترك مجلس إدارة صندوق الثروة السيادية لتركيا بعدما طلب إجازة‎".‎

وكان قد تم تعيينه نائبا لرئيس الصندوق في 2018، وهو العام نفسه، الذي أصبح فيه أردوغان ‏رئيسه في شكل رسمي‎.‎

تراجع المعنويات الاقتصادية
وفي سياق متصل بالاقتصاد التركي، أظهرت بيانات من معهد الإحصاء، أمس، أن مؤشر ‏المعنويات الاقتصادية في تركيا انخفض 3.5 في المائة على أساس شهري في نوفمبر إلى 89.5 ‏نقطة، إذ دفعت زيادة في وتيرة حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا أنقرة إلى فرض قيود ‏جزئيا‎.‎

وكان المؤشر قد ارتفع لستة لأشهر متتالية من مستويات متدنية بلغها على خلفية إجراءات ‏التصدي لفيروس كورونا، التي تسببت في تراجع حاد للنشاط الاقتصادي في مارس وأبريل ‏عندما بلغ المؤشر قاعا عند 51.3 نقطة‎.‎

وكانت آخر مرة تخطى فيها المؤشر حاجز المائة نقطة في مارس 2018. وتشير أي قراءة فوق ‏المائة إلى توقعات متفائلة، وما دونها إلى تشاؤم‎.‎

خلاف مع دول أوروبا
وفيما يتعلق بالخلاف التركي مع أوروبا، فأدت السياسة الخارجية للرئيس التركي رجب طيب ‏أردوغان، التي تزداد حدة منذ 2016، إلى قيام هوة بين أنقرة وحلفائها الغربيين وإلى تفاقم ‏الوضع الاقتصادي في بلاده، غير أن المحللين يستبعدون أن يبدل نهجه‎.‎

ويواجه أردوغان اتهامات من منتقديه باعتماد دبلوماسية هجومية لتعبئة قاعدته، في ظل ‏صعوبات اقتصادية تضر بشعبيته‎.‎

ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية، صدرت عن أردوغان في الأيام الأخيرة مواقف تهدئة موجهة ‏إلى أوروبا، فأكد أن مستقبل تركيا لا ينفصل عن مستقبل القارة العجوز‎.‎
لكن الواقع أن عمليات أنقرة، التي تنشر قوات في مناطق مختلفة من ليبيا إلى سوريا مرورا ‏بشرق المتوسط، تثير غضب الغرب‎.‎

فإن كانت عروض القوة هذه تلقى شعبية في تركيا، إلا أنها قد تبعد أي مستثمرين محتملين، في ‏حين أن تركيا بأمس الحاجة إلى أموال خارجية حاليا‎.‎

وأوضح سنان أولجن رئيس مركز إدام للأبحاث في إسطنبول أن سياسة أردوغان الخارجية ‏أفضت إلى "علاقة متوترة بين تركيا وشريكيها الاقتصاديين الرئيسين الاتحاد الأوروبي ‏والولايات المتحدة‎".‎
وتشكل عمليات التنقيب عن الغاز، التي تقوم بها تركيا بشكل أحادي في مناطق متنازع عليها مع ‏اليونان وقبرص في شرق المتوسط، أحد المواضيع الخلافية الرئيسة بين أنقرة والاتحاد ‏الأوروبي‎.‎

وهددت بروكسل بفرض عقوبات إذا استمرت أنقرة على هذا النهج، وستكون المسألة في صلب ‏قمة أوروبية تعقد في 10 و11 ديسمبر‎.‎

ويبدو أن التهديد بفرض عقوبات أوروبية قد يدفع الاقتصاد التركي إلى الهاوية، وهزيمة الرئيس ‏الأمريكي دونالد ترمب، الذي أقام أردوغان معه علاقة شخصية، في الانتخابات الرئاسية، أقنعا ‏الرئيس التركي بخفض حدة نبرته في الأسابيع الأخيرة‎.‎

وإلى إبداء تمسكه بأوروبا، وعد في مطلع نوفمبر بإجراء إصلاحات قضائية لـ"تعزيز دولة ‏القانون"، سعيا منه لطمأنة المستثمرين‎.‎

غير أن فوز الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد يطرح مشكلات جديدة ‏لأنقرة الخاضعة لعقوبات أمريكية إثر شرائها أنظمة صاروخية روسية من طراز إس-400‏‎.‎

ورأى أنتوني سكينر من مكتب "فيريسك مايبلكروفت" للاستشارات أن "العلاقات التركية ‏الأمريكية قد تتراجع إلى حد أدنى جديد في 2021‏‎".‎

وأنفقت تركيا في الأعوام الأخيرة مئات ملايين اليورو لتطوير قدراتها العسكرية، ما يشكل في ‏رأي سينام أدار "عاملا أتاح عدائيته المتزايدة‎".‎
لكن هذا النهج رتب عليه أثمانا عالية. فخسرت الليرة التركية نحو ربع قيمتها حيال الدولار منذ ‏مطلع العام، وما زاد من تدهورها التوتر الدبلوماسي ولا سيما مع فرنسا منذ بضعة أشهر‎.‎

وقال أولجن إن "المخاطر الجيوسياسية المتزايدة تشكل ضغطا على الليرة" ولها "وطأة على ‏حركة الاستثمارات المباشرة الآتية من الخارج‎".‎

وتراجعت هذه الاستثمارات الآتية، خصوصا من أوروبا، التي تساهم، خصوصا في استحداث ‏وظائف، من 16 مليار يورو في 2007 إلى سبعة مليارات في 2019، وفق أرقام الأمم المتحدة‎.‎

وعلقت شركة "فولكسفاجن" الألمانية للسيارات العام الماضي قرار إقامة مصنع في تركيا، مبدية ‏‏"قلقها" حيال الهجوم العسكري، الذي شنته أنقرة على المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا‎.‎

وفي نهاية المطاف، تخلت الشركة الألمانية العملاقة نهائيا عن مشروعها في يوليو، متذرعة ‏رسميا بتفشي وباء كوفيد-19‏‎.‎