صواريخ حوثية في سماء المملكة
د. عيدروس النقيب
ليست المرة الأولى التي يقصف فيها الحوثيون الأراضي السعودية بصواريخهم البالستية، لكنها المرة الأولى التي يطلقون فيها سبعة صواريخ في لحظة واحدة على عدة مدن ومطارات بينها العاصمة الرياض ومطارها، وقد تحول الحدث إلى العنوان الأول للعديد من المواقع والوسائل الإعلامية خصوصا تلك التي لها موقف من دول التحالف أو التي تدعم ضمنيا الحركة الحوثية، مع إن الحدث يأتي في سياق حرب ضارية بين طرفين يستخدم فيها كل طرف فيها كل ما لديه من وسائل، وشخصيا أرى أن إطلاق تلك الصواريخ في الذكرى الثالثة لانطلاق عاصفة الحزم يحمل من المدلولات الإعلامية والدعائية والسياسية أكثر مما يعبر عن مدولٍ عسكري ببساطة لأن هذه الصواريخ تطلق منذ انطلاق عاصفة الحزم ولم تصب قط هدفاً واجداً كما يدعي الحوثيون.
أثار موضوع إطلاق الصواريخ على المدن والمطارات السعودية عدداً من الأسئلة أهمها: من أين يحصل الحوثيون على هذا النوع من الصواريخ؟ وهل ما يزال لديهم المزيد من تلك الصواريخ؟ وما مدى تأثير تلك الصواريخ على سير المواجهات العسكرية ومساعي حل الأزمة بالوسائل السياسية؟
دول التحالف تتهم إيران بأنها من يرسل هذه الصواريخ للحوثيين، وأيران تنكر ذلك، كما ينكره الحوثيون، الذين يدعون أنهم من يصنع تلك الصواريخ، وشخصيا لست مصدقا لهذه المقولة الأخيرة وأءمُن أيمانا مطلقا أن هذه الصواريخ لم تصنع إلا في إيران، وقد أكدت الصور التي نشرتها العديد من الوسائل الإعلامية التلفيزيونية والإليكترونية وجود ما يؤكد أن إيران هذه المصنع والمصدر لتلك الصواريخ، لكن السؤال هو كيف وصلت تلك الصواريخ إلى صنعاء مفككةً أو مركبةً؟
أغلب المحللين السياسيين والعسكريين يركزون على ميناء الحديدة أو الحملات الإغاثية ويفترضون أن الصواريخ تدخل عبر السفن والناقلات البرية التي تحمل مواد إغاثية أو حتى تجارية, لكن هؤلاء ينسون أن عشرات الناقلات ضبطت في شبوة أو مأرب قادمةً براً عبر المحافظات (المحررة)، وهذه الناقلات مرت عبر مناطق تنتشر فيها مئات النقاط الأمنية وعشرات الألوية العسكرية التي تدعي تأييدها للشرعية، ومن المؤكد أن هذه الناقلات ليست الوحيدة وأن ما لم يكشف عنه ووصل بأمان إلى الحوثيين هو أضعاف مضاعفة لتلك الأرقام، كما ينسى هؤلاء قصة السفينة الإيرانية "جيهان" وعيرها من السفن التي ضبطت وألقي القبض على كباتنتها وبقيوا رهن الاعتقال حتى حررهم الحوثيون بعد دخولهم صنعاء.
القصة ببساطة أن الألوية التي تنتشر في محافظات شبوة وحضرموت والمهرة هي ألوية منتقاة بعناية فائقة من قبل تحالف 1994م، ومعظم جنودها وضباطها وقادتها ينتمون إلى مناطق سيطرة جماعات الحوثيين، وهذه الألوية ليست مشغولة بصراع الشرعية والانقلاب بقدر انشغالها بالحماية والإشراف على حقول إنتاج النفط التي يسيطر عليها عتاولة تحالف 1994م، أما إعلان التأييد للشرعية فقد انكشف أنه كذبة كبيرة حينما انسحبت الجحافل من حضرموت وسلمتها للقاعدة، وهو ما فعلته مع أبين في 2011م، في حين لم تطلق رصاصة واحدة في وجه القوات الانقلابين عندما اجتاحت بعض مناطق شبوة وسيطرت على مدنها، وقصة حماية حقول النفط ليست بسبب وطنية هؤلاء أو حرصهم على الثروة الوطنية بل لأنه مصدر دخلهم الرئيسي فضلا عن أنهم يقدمون خدمة مباشرة للمسيطرين على مصادر هذه الثروة التي يجنون منها المليارات علماً بأن الكثير من قيادات تلك الفيالق هم من شركاء السيطرة على تلك الحقول والمنابع.
إن الجندي أو حتى الضابط الذي يسخّر وظيفته للحصول على الأموال لا يوجد ما يردعه عن تمرير مختلف أنواع الممنوعات مقابل أتاوات تافهة أو كبيرة، أما إذا ما علمنا أن الآلاف وربما عشرات الآلاف من هؤلاء يميلون نفسيا ومذهبيا ومناطقيا إلى المشروع الحوثي أكثر من ميلهم لنصرة شرعية الرئيس هادي، (هذا الشخص الغريب عليهم والدخيل على فكرهم وثقافتهم وهواجسهم السياسية والقبلية) فإن ذلك سيضيف حقيقة واضحة أقرب إلى اليقين وهي: أن الصواريخ الإيرانية تدخل إلى الأراضي (المحررة) عبر السواحل التي تمتد آلاف الكيلومترات وتمر عبر النقاط والمعسكرات التي يسيطر عليها (أنصار الشرعية) المربوطون عاطفيا ومذهبيا ومناطقيا وفكريا بالحبل السري للمشروع الحوثي، فلا تتعبوا أنفسكم بالبحث عن جواب للسؤال: كيف تصل الصواريخ إلى الحوثيين؟
وهي مناسبة لتوجيه النصح لدول التحالف ومعها الرئيس هادي إلى الكف عن الرهان على الفيالق الجرارة المنتشرة في محافظات الجنوب، وتسليم المعسكرات والمواقع والنقاط والسواحل الجنوبية للقوى الجديدة التي حررت الأرض وواجهت الإرهابين الانقلابي والداعشي، حينما كان (أنصار الشرعية) يوفرون كل طلقة ذخيرة لبيعها في السوق السوداء دون أن يفكروا في استخدامها لمواجهة الحوثيين والعفاشيين والقاعدة وداعش.