خبراء سياسيون: قطر تستفز جيرانها لإعادة تسليط الأضواء على أزمتها
أرجع خبراء الشؤون السياسية الخليجية إقدام الطيران الحربي القطري على التعرّض مجدّدا لطائرتين مدنيّتين إماراتيتين، إلى ما يصفونه بحالة القلق والتوتّر التي تسود أركان النظام في الدوحة بشأن الأزمة التي يواجهها منذ إقدام أربع دول عربية على مقاطعته بسبب دعمه للإرهاب.
وتدفع حالة القلق تلك، بحسب الخبراء أنفسهم، النظام القطري إلى محاولة استفزاز جيرانه، لإعادة تسليط الأضواء على أزمته، بعد أن جعلتها الدول المقاطعة في أدنى سلّم اهتماماتها.
ويُلمس في كثير من تحرّكات نظام الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفي خطابه السياسي والدبلوماسي، أنّه يتصرّف تحت وقع اشتداد الأزمة وانسداد آفاق حلّها في ظلّ تمسّك الدول المقاطعة وإصرارها على إزالة الأسباب التي قادت إلى المقاطعة ما يعني بالنتيجة تغيير الدوحة لسياستها التي أقامتها منذ حوالي عقدين من الزمن على احتضان جماعات إرهابية والتعاون مع قوى ونظم معادية لبلدان المنطقة وعاملة ضدّ استقرارها على رأسها النظام الإيراني.
وما يضاعف قلق النظام القطري تأكيد كلّ من الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة بشكل متكرّر على أنّ الأزمة القطرية بالنسبة إليها “صغيرة جدّا”، بمعنى أنّها غير ذات أولوية بالنسبة إليها، وأنّها في وضع مريح إزاءها، فيما الضغوط مسلّطة على النظام القطري.
وجاء تعرّض الطيران الحربي القطري للطائرتين الإماراتيتين، فيما كان الشيخ تميم في زيارة إلى العاصمة الرّوسية موسكو لم يفصلها المراقبون عن محاولات نظامه فكّ عزلته، وإقناع دول وازنة بحجم روسيا بالتدخّل لحلّها، خصوصا بعد أن خابت آماله في أن تلعب الولايات المتحدة هذا الدور.
ولم تفلح قطر، رغم كثافة حملتها الإعلامية والدبلوماسية، وكمّ الأموال التي صرفتها على دوائر غربية سياسية وإعلامية، في زحزحة الأزمة عن النقطة التي توقّفت عندها بفعل صلابة موقف الدول المقاطعة وتماسكه ضدّ أي محاولات لحلحلة الأزمة بالقفز على ما هو مطلوب من النظام القطري من التزامات واضحة.
وتنظر قطر بريبة شديدة إلى الزيارة الحالية التي يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان إلى واشنطن، خصوصا وقد سبقتها إقالة ريكس تيلرسون من منصب وزير الخارجية وتعيين مايك بومبيو المعروف بصرامته ضدّ الإرهاب وداعميه.
ومنذ مبادرة كلّ من السعودية والإمارات ومصر والبحرين، في يونيو الماضي إلى إعلانها عن مقاطعة الدوحة بسبب سياساتها المهدّدة لأمن المنطقة واستقرارها، أصبحت قطر أكثر من أي وقت مضى تحت مجهر الملاحظة الدولية كجهة داعمة للإرهاب وجماعاته، ما جعلها تسعى جاهدة في كلّ مناسبة لتبرئة ساحتها ومحاولة الحصول على “شهادة حسن سلوك” من المجتمع الدولي من خلال ادّعاء انخراطها في محاربة الظاهرة الإرهابية.
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية “وام” عن الهيئة العامة للطيران المدني الإماراتي أن مقاتلتين قطريتين اقتربتا على نحو ينطوي على خطورة من طائرتين مدنيتين إماراتيتين في المجال الجوي البحريني.
وأدانت الهيئة الحادث، معتبرة أنه يشكل “استهتارا بسلامة الطائرات المدنية والملاحة الجوية”، مشيرة إلى أنّ “اقتراب المقاتلتين القطريتين من طائرتين مدنيتين مسجلتين في الإمارات، كاد أن يتسبب في كارثة جوية”.
وشرح مسؤولون في الهيئة الإماراتية للصحافيين بأبوظبي، أنّ مضايقة المقاتلتين القطريتين للطائرتين المدنيتين الإماراتيتين دامت ثلاث دقائق وكان الأمر يتطلب ثانية واحدة لتحصل كارثة.
وأوضحوا أنّ الطائرة المدنية الأولى كانت طائرة مروحية، أما الثانية فكانت خاصة بنقل الركاب، لافتين إلى أنّ قائد إحدى الطائرتين اضطر لإجراء مناورة لتفادي الاصطدام بالطائرتين المقاتلين القطريتين، كما أكّدوا أنّ المقاتلتين لم تتواصلا مع المراقبين الجويين أو مع الطائرتين المدنيتين، وأن إحدى المقاتلتين القطريتين طاردت الطائرة المدنية الإماراتية حتى بعد ارتفاعها لأكثر من 30 ألف قدم.
ومن جهتها أكدت هيئة شؤون الطيران المدني بوزارة المواصلات والاتصالات البحرينية في بيان وقوع الحادثة، واصفة إياها بالتصرّف غير المسؤول.
وورد ببيان الهيئة أيضا أنّه تم “رصد مقاتلتين قطريتين تحلّقان فوق المياه الدولية ضمن إقليم البحرين لمعلومات الطيران دون إذن مسبق”، وأنها “بادرت باتخاذ الإجراءات اللازمة لتقديم شكوى لدى منظمة الطيران المدني الدولي”.
وتنسف مثل هذه التصرّفات من الأساس تكتيكا سبق للدوحة أن اتبعته وبنت عليه حملتها الدبلوماسية والإعلامية بمواجهة الأزمة، يتمثّل في الترويج المكثّف لخطاب المظلومية الذي يصوّر قطر كـ”ضحية” لجيرانها.
ومن أسس ذلك التكتيك ترويج سيناريو التعرّض لـ”تهديد عسكري”، وهو السيناريو الذي لم تُعره مختلف الدوائر السياسية والأمنية الدولية أي اهتمام، ولم يتردّد مراقبون في وصفه بالوهمي والمجافي للمنطق، إذ لم تُبد أي من الدول المقاطعة لقطر أي إشارة إلى إمكانية استخدام القوّة ضدّ هذا البلد الصغير ذي الإمكانيات العسكرية المحدودة.