بايدن.. وما تبقى من اليمن
هاني مسهور
لم يكن مفاجئاً إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن «مارتن غريفيث» بدء جولة تشمل الرياض وصنعاء وعدن بعد عدة معطيات منها فقط وصول حكومة المناصفة (الجنوبية - الشمالية) إلى عدن تنفيذاً للشق السياسي من اتفاق الرياض، لكن المعطى الأكثر تحفيزاً يأتي من دخول الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض كمتغير يعتقد من خلاله المبعوث الأممي «غريفيث» أنه يمكن به دفع الأطراف اليمنية المتصارعة للقبول بوثيقة (الإعلان المشترك)، وهي الرؤية الأممية للحل السياسي في اليمن، وترتكز على وقف إطلاق النار كخطوة عملية نحو التسوية الشاملة.
تعتقد الأمم المتحدة أن عملية وقف إطلاق النار في اليمن ستؤدي لفتح نافذة حوارات سياسية مباشرة تصل باليمن للحلول الممكنة وفق المرجعيات الثلاث، هذا ما تعتقده الأمم المتحدة ويبدو نظرياً ممكناً غير أن المنطق على الأرض، وطبيعة الصراعات الإثنية تسقط النظريات الحالمة، وتُبقي الوقائع التي ستوافق عليها كافة الأطراف لوقف إطلاق نار غير مشروط، فهذا يُبقي مع كل طرف قوته العسكرية، والأهم من ذلك يبقي رصيده الشعبي والنضالي خلال العقد الأخير والذي حمل متغيرات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، فمثلاً المبادرة الخليجية التي منحت الرئيس هادي السلطة السياسية، تم إفراغها بالكامل من مضامينها وبقيت مجرد ورقة بيد طرف سياسي له مرجعيته السياسية «الإسلاموية» المرتبطة بالتنظيم الدولي لـ«الإخوان».
منذ مشاورات الكويت عام 2016 لم تجتمع الأطراف اليمنية على طاولة واحدة حتى «اتفاق الرياض» لم يحصل إنْ اجتمع طرفي الاتفاق الحكومة اليمنية و«المجلس الانتقالي الجنوبي» على طاولة تفاوض مشتركة، وتحمل الراعي السعودي مهمة التفاوض غير المباشر بمشاركة إماراتية حتى توصل الطرفان لاتفاق الرياض ثم تنفيذه، تبدو الصورة هنا أكثر وضوحاً في عدم قدرة المتصارعين أصلاً على نقل صراعاتهم من الأرض إلى طاولة السياسة، فهذه واحدة من العُقد الرئيسية التي تؤكد عدم نضوج فكرة التسوية السياسية، وأن الأطراف غير مستعدة بعد لتسوية شاملة مهما حاول الخارج الاعتقاد بأن الفرصة السياسية قد حانت، لذلك وحتى أن قدمت الأطراف نفسها على أنها مستعدة للصفقة السياسية، كما حدث في «اتفاق الرياض» الذي استدعى تنفيذه أكثر من عام.
الحقيقة تقول إن المبعوث الأممي السابق اسماعيل ولد الشيخ أحمد كان بالفعل قريباً جداً لإنجاز الصفقة السياسية الصعبة في اليمن عندما استطاع توظيف ما سمي «أفكار كيري»، وهي مقترح لوزير الخارجية السابق جون كيري في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، والتي كادت أن تؤتي أكلها لولا أن الرئيس هادي أبعد خالد بحاح عن التشكيل السياسي فارضاً أمراً واقعاً بوجود علي محسن الأحمر في الرئاسة، مما يعني صداً لكافة ما يمكن أن يؤدي لاختراقات سياسية ممكنة في جمود متصل سيظل متماسك كجدار صلب تتحطم عنده أفكار التسويات السياسية، وستظل مسألة تدوير الصراعات قائمة، فمنها تحصل كل أشكال التكسب المادي.
في المقابل، وصلت ميليشيات «الحوثي» بعد سنوات الحرب الطويلة لما يبدو أنه قوة الأمر الواقع التي لطالما حاول الإعلام المضاد كسرها، بينما الحقيقة تقول إن «الحوثيين» استطاعوا توظيف علاقاتهم مع أشقائهم في الهضبة «الزيدية»، واستفادوا من علاقاتهم القبلية والعشائرية لفرض شكل الدولة اليمنية القديم في إطار «الإمامة»، وسيعرف اليمنيون في شمال اليمن كيف يزاوجون من جديد معطيات ما بعد الانقلاب على الجمهورية، مع ما سيرضي الجوار على شكل الدولة اليمنية التي انتجها صراع ما بعد «الربيع العربي»، الذي بدوره أنتج وقائع على الجغرافيا اليمنية يجب عدم تجاهلها بالتشبث خلف مرجعيات سياسية أكلتها الحرب كما أكلت الجمهورية الهشة في سنوات عجاف زادت على الناس جنوباً وشمالاً أوجاعهم، وعصفت بأحلامهم، وقتلت أولادهم، وكرّست مخزونات لصراعات مستدامة لن توقفها أمنيات تسويات حالمة ترتكز على معطيات خاطئة قد تنتظر حتى تسوية أميركية- إيرانية في عهد بايدن الملبد بغبار سنوات أوباما السابقة.