أزمة دبلوماسية وتهديدات مُتبادلة بين باريس وأنقرة
رغم التهديدات التركية بأن الدعم الفرنسي المتزايد للأكراد في سوريا، قد يجعل من فرنسا هدفاً لتركيا، نقلت صحيفة "لو فيغارو" عن السفير الفرنسي في أنقرة معلومات هامة حول قرار مُرتقب لباريس، بشأن إرسال قوات عسكرية فرنسية إلى شمال سوريا، وتحديداً إلى مدينة منبج التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وذلك بهدف صد الهجوم التركي الذي يتهددها في أعقاب السيطرة على مدينة عفرين السورية وتهجير الأكراد منها.
ونقلت العديد من وسائل الإعلام الفرنسية عن مصدر في الإليزيه تحذير الرئاسة الفرنسية من أن أي تقدم عسكري تركي إلى منبج سوف يكون غير مقبول، وأن فرنسا تعمل على زيادة وتكثيف وجودها العسكري في سوريا.
وتُعتبر فرنسا أحد أشد منتقدي العملية العسكرية التركية التي أسمتها أنقرة "غصن الزيتون" وبدأت قبل نحو شهرين في عفرين شمال سوريا.
وكانت تركيا اعترضت مراراً على تصريحات شديدة اللهجة من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في شأن عفرين، خاصة عندما حذر من غزو تركي لشمال سوريا، وكذلك عندما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن مخاوف تركيا بشأن أمن حدودها لا يمكن أن تبرر على الإطلاق الهجوم العسكري التركي على عفرين، معتبراً أن أنقرة انتهكت بذلك القانون الدولي في سوريا.
ومن جهتها، انتقدت صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية الرد التركي السلبي على الوساطة الفرنسية المقترحة مع قوات سوريا الديمقراطية، وأضافت أنه بينما يمد ماكرون يده إلى السلام، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشدد موقفه رافضاً أي وساطة فرنسية بين أنقرة وقوات سوريا الديموقراطية، التحالف الذي يضم بشكل رئيس وحدات حماية الشعب الكردية.
لكن افتتاحية صحيفة "اللو موند" اعتبرت أن فرنسا عاجزة ضد الحرب التركية على الأكراد، واعتبرت أن مبادرة إيمانويل ماكرون حول إجراء حوار بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا بمساعدة من فرنسا، مشكوك في نجاحها بسبب التعنت التركي، وأشادت الصحيفة بدور الأكراد في محاربة الإرهابيين، الأمر الذي يُعتبر ضرورة قصوى للأمن القومي الفرنسي.
أما صحيفة "لوباريزيان" فذكرت أن فرنسا إنما ترغب بمساعدة حلفائها الأكراد المتمترسين في الخطوط الأمامية لمواجهة تنظيم داعش في شمال سوريا، ولكن مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الجانب التركي. لكن الصحيفة الفرنسية اعتبرت كذلك أن الحصول على هذه المعادلة أمر صعب بسبب الموقف التركي المتشدد والرافض لأي حوار مع الأكراد الذين يعتبرهم "إرهابيين"، مشيرة إلى أن هذا الأمر قد فجر أزمة دبلوماسية بين أنقرة وباريس.
وبالمقابل، أشادت الصحيفة الفرنسية بخطوة ماكرون الأولى من نوعها، حيث أنها جاءت بعد أسابيع طويلة من الصمت الرسمي إزاء الهجوم التركي على عفرين، وفي أعقاب تنديد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند بهذا الصمت وعدم التجاوب مع الكارثة الكردية التي تسببت بها تركيا، وساعدها في ذلك تخلي الغرب عن القوات الكردية التي حاربت بشراسة تنظيم داعش في كل الرقة وعين العرب ونجحت في طرده من مساحات واسعة من الأراضي السورية.
كما تساءت "لوباريزيان" عن مهمة القوات الخاصة الفرنسية التي سوف يتم إرسالها إلى شمال سوريا، ودورها في إعادة المدنيين الهاربين من عفرين إلى ديارهم.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقبل قبل يومين وفداً من قوات سوريا الديموقراطية، حيث أكد دعم فرنسا لهم وللاستقرار في شمال سوريا، مُعرباً عن أمله في إقامة حوار بين قوات سوريا الديموقراطية وتركيا بمساعدة فرنسا والمجتمع الدولي، لكن أنقرة رفضت بشدة الوساطة المقترحة.
وقال المسؤول الكردي المُقيم في باريس، خالد عيسى، بعد أن اجتمع ماكرون بوفد كردي عربي، إن ماكرون وعد بإرسال قوات فرنسية إلى منبج لدعم القتال ضد تنظيم داعش ومنع تركيا من التقدم نحو المدينة.