لا للتفريخ..واعتساف حقائق التاريخ!!

د. علي صالح الخلاقي

يعرف الجميع أن عفاش هو صاحب فكرة التفريخ للأحزاب والمكونات السياسية منذ الأيام الأولى للوحدة "الضِّيزى" المغدور بها، بدءاً بتاسيس حزب الإصلاح الذي كان أول الأحزاب المفرخه للتآمر على الديمقراطية باعتراف رئيسه عبدالله الأحمر في مذكراته، ومروراً بكل الأحزاب والمكونات اللاحقة التي يصعب حصرها لكثرت ما فرخ منها طوال فترة حكمه وأصبح معظمها في خبر كان..

وظل التفريخ والتفقيس ابتكاراً عفاشياً وحقاً حصرياً له يستخدمه وقت الحاجة لإطالة أمد حكمه وتثبيت سلطته الأسرية-القبلية، حيث فقَّس وفرَّخ مكونات وأحزاب ديكورية حسب الطلب – في الشمال وفي الجنوب- لا وزن ولا ثقل لها في الشارع، واهتم أكثر بتلك المكونات المفرخة أو الشخصيات التي ادّعت تمثيل الجنوب في مسرحية ما عُرف بالحوار الوطني، الذي ظل في جوهره الحقيقي -حصريا -بين أطراف النفوذ الشمالية من أصحاب الحق المقدس في السلطة والثروة، وما إشراك بعض الممثلين الصوريين من هنا وهناك ممن لا صوت ولا رأي لهم ، إلا لزوم الديكور لا أكثر، كما بينت تطورات الأحداث اللاحقة.

ويبدو أن مهنة التفريخ تلك لم تنتهِ بمقتل عفاش الشنيع على أيدي الحوثيين الذين سلمهم السلاح والسلطة على أمل أن يحتويهم ويلتهمهم، لكنهم أدركوا غدره ومكره الخفي فتغدوا به قبل أن يتعشى بهم.. وها هم  تلامذته وخريجو مدرسته- ومن الجنوبيين للأسف الشديد- ممن وصفهم ذات يوم بـ (خبز يده والعجين)  يسعون الآن لإحياء أفكار معلمهم وزعيمهم الهالك ومؤتمره (النفعي العام) وبمسمى (جنوبي) لزوم المغالطة لتمرير التفريخ في اعتساف صارخ لحقائق التاريخ ..على أمل إيجاد بديل للمجلس الانتقالي الجنوبي يدعي زوراً وبهتاناً تمثيل الجنوب، وذلك عين الضَّلال ..ومخيب للآمال..متناسين أنه لا يستقيم الحال، أن نأتي بحزب ارتبط اسمه بالاحتلال، وبالقمع والإذلال لقوى الثورة والاستقلال، ونعيد له الحياة بعد أن مات في موطنه الأصيل "الشمال" وباتت جثته متناثرة الأوصال، ومن المحال أن ينخدع شعب الجنوب بمثل هذا الكلام، فما زالت ذاكرته حية ولن يقبل بتسويق الأوهام أو بأقل من حقه في الحرية والاستقلال، وهو ما عبر عنه طوال سنوات نضاله السلمي المعمد بالدماء والتضحيات..ولم تعد تستهويه أو تغريه البضاعة المفرخة والمستوردة من بيئة غير بيئتها الحاضنة..

لهذا نقول إننا مع المجلس الانتقالي الجنوبي لأنه القوة الرئيسية الآن على الساحة الجنوبية التي تسير بخطى واثقة وملموسة على الأرض نحو الهدف الذي أعلن عنه بكل وضوح وحظي بترحاب شعبي كبير، وبحضور قوي في الداخل وتواجد ونشاط ملحوظ في الخارج، وقطع دابر استنساخ المكونات الهزيلة والصورية من قبل قوى النفوذ التي أزعجها ما يحققه المجلس الانتقالي من خطوات عملية، وغاضها أن أصبح قوة فاعلة ومؤثرة مدعومة بتأييد شعبي واسع ولا يمكن تجاوزها في أية تسويات قادمة، مع اعترافنا ببعض القصور في نشاط هيئاته الذي ينبغي تلافيها فما زال في بداية الطريق.

ومع ذلك لن نقول (كل الشعب مجلس انتقالي.. ولا صوت يعلو فوق صوته) كما قيل ذات يوم (كل الشعب جبهة قومية..ولا صوت يعلو فوق صوت الحزب )، لأن مثل هذه الشعارات أصبحت مستهجنة ولم تعد مقبولة في واقع اليوم القائم على التعددية واحترام الرأي والرأي الآخر ، ومن العبث تجاهل أو الغاء أو تهميش قوى الاستقلال والمكونات الجنوبية الحقيقية الأخرى التي ولدت من رحم المعاناة وجمعتها ميادين وساحات النضال وتسعى لذات الهدف، بل علينا القبول بالتعددية واحترام الرأي والرأي الآخر والسعي إلى تفاهمات مع كل قوى ومكونات الاستقلال، فجنوب اليوم يتسع لكل الجنوبيين بكل أطيافهم وعليهم أن يتنافسوا من أجل تحقيق تطلعات شعبنا الأبي، وفي هذا فليتنافس المتنافسون..

لكن لا ينبغي باسم التعددية أن نقف ضد إرادة شعبنا الجنوبي الأبي الذي اختار الحرية والاستقلال واستعادة الدولة، أو يأتي من يفكر بالعودة به القهقرى مرة أخرى إلى (باب اليمن)، فلا مكان هناك ولا قبول للرئيس عبدربة منصور هادي ولا لشرعيته، وقد رأينا كيف جرده  المؤتمر الشعبي العام من عضويته وقاتله وقاتلنا إلى جانب الحوثيين في غزوتهم عام 2015م ولم يحتضن ويدافع عن الرئيس هادي حينها سوى الجنوبيين ومقاومتهم الباسلة، ويظل هادي وشرعيته المعترف بها، محل احترام وتقدير، ونأمل أن يمد خطوط تواصل والتقاء مع من آزره من أبناء جلدته في أصعب ظرف مر به، وأن يتفهم لخيارات شعبنا الجنوبي من موقعه المؤثر، مثلما يبحث عن تفاهمات مع من قاتلوه ولا يعترفون بشرعيته ولا برئاسته للمؤتمر الشعبي العام الذي انتهى بنهاية مالكه وصاحبه عفاش.

وختاماً نقول لمن  يرى أن لديه القدرة على تحقيق هدف شعبنا والوصول إليه بطريقة أفضل مما لدى المجلس الانتقالي ويقبل بها شعبنا، فهذا الفرس وهذا الميدان، والشعب هو الحكم في نهاية المطاف وهو السند والنصير، فنحن مع الهدف وليس مع المكونات أو الأشخاص.. فالوطن باقٍ..والمكونات والأفراد زائلون.


مقالات الكاتب