صحيفة دولية : التغلغل الإخواني في الصومال مقدمة لكوارث مقبلة

الجمعة 20 إبريل 2018 04:05:05
testus -US
العرب اللندنية

أشارت وثائق مسربة نشرت على موقع ويكيليكس إلى أن السفيرة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة، سوزان رايس، كانت قد أكدت عام 2009 على ضرورة الضغط على قطر لوقف تمويل حركة الشباب التي ارتبطت بالقاعدة قبل أن تبايع تنظيم داعش وتتورط في إزهاق حياة عشرات الآلاف من الصوماليين، في هجمات وتفجيرات استهدفت مدنيين على مدار أكثر من عشر سنوات.

ويؤكد المراقبون على ضوء هذه المعطيات على أن الدور القطري في هذه المنطقة من شرق أفريقيا ليس جديدا، لكنه يتأكد اليوم أكثر بحكم التحالفات والتطورات الإقليمية الجديدة، إذ تعمل قطر على تصدير مشروع تنظيم داعش في سوريا والعراق إلى القارة الأفريقية لضرب الاستقرار والتنمية.

الخطة القطرية التي تسعى إلى توفير بيئة حاضنة للنشاط الإرهابي، تنكشف عن طريق انخراط النظام الصومالي في عملية تشكل نوعا من أشكال “دبلوماسية الشيكات” التي تعمل على تحويل البلاد إلى خزان لتصدير الفوضى والإرهابيين، وليكون الصومال نموذجا عالميا للدول الفاشلة وفي اتساق مع تاريخية أدوار السياسة القطرية في المنطقة ككل.

في ظل المحاولات القطرية للتغلغل عبر الجيوب المشبوهة، تظهر في المقابل المحاولات الإماراتية في إنقاذ الوضع المتأزم في الصومال الذي يشهد تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية.

وكانت الإمارات قد تدخلت لتشرف على برنامج قوات الشرطة البحرية في إقليم بونتلاند والمعنية بمكافحة الإرهاب والقرصنة، وقد ساهمت في رفع قدرات المؤسسات الأمنية والعسكرية الصومالية، وكذلك دعم وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب بالتعاون مع عدة أطراف دولية والقوات التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال.

لكن دولة الإمارات قررت أخيرا إنهاء مهمة قواتها التدريبية في الصومال لبناء الجيش الصومالي الذي بدأ عام 2014، على خلفية حادثة احتجاز السلطات الأمنية الصومالية، في 8 أبريل 2018، لطائرة مدنية خاصة مسجلة في الإمارات، بمطار مقديشو الدولي، وعلى متنها عناصر قوات الواجب الإماراتية، وقيام بعض العناصر الأمنية الصومالية بالاستيلاء على المبالغ المالية المخصصة لدعم الجيش الصومالي ودفع رواتب المتدربين الصوماليين.

ويتضح من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصومالية مؤخرا، أنها تسير في طريق معاكس لجهود مكافحة التطرف، وهو ما سيعطي دفعة جديدة للإرهاب في هذا البلد الذي كان على وشك الاستقرار بفضل المساعدات الإماراتية.

وبالعودة إلى تاريخية الوجود الإسلامي في الصومال، تغرق هذه البلاد ذات الأوضاع الأمنية الهشة في بحر من الحركات الإرهابية والمتشددة منذ دخول الإخوان المسلمين في الستينات من القرن الماضي، مرورا بالحركات المتطرفة حيث تحولت إلى بؤرة لتنظيم القاعدة.

وتقل هذه المشاكل بشكل كبير في أرض الصومال؛ حيث فسّر سليمان أحمد جوليد، مدير جامعة عمود، هذا الاختلاف بأن أرض الصومال تهتم بالتعليم بشكل محوري، ويقول إن التعليم هو الأساس في مواجهة التطرف والحركات الإرهابية، لافتا إلى أن الجامعة التي يترأسها بدأت بداية متواضعة بكليتين فقط، لكنها تطورت لتصبح صرحا أكاديميا يضم 13 كلية، ولديها تعاون أكاديمي مع الكثير من الجامعات العالمية، ويدرس خريجوها في جامعات عالمية مرموقة.

ورغم النجاحات الكبرى التي تحققت في أرض الصومال، في وقت لم تفلح فيه حكومات صومال لاند، المتعاقبة من نيل الاعتراف الأممي من أي دولة أخرى في العالم، غير أن أكثر من 20 دولة تتعامل معها باعتبارها أمرا واقعا، وتقيم معها علاقات غير رسمية، كما تقيم دول الجوار فيها ممثّليات تجارية.

ونتيجة لهذا الاستقرار السياسي والأمني الذي حققته أرض الصومال، فقد اجتذبت بعض الاستثمارات الأجنبية المهمة، مثل توقيعها اتفاقا مدته 30 عاما، مع شركة «موانئ دبي العالمية»، لتطوير ميناء بربرا بتكلفة قدرها 446 مليون دولار.

ويشمل الاتفاق أيضا أن تستثمر دولة الإمارات في ترميم الطريق الذي يربط بين مدينة بربرا الساحلية والحدود الإثيوبية، وهو طريق مهم لنقل البضائع إلى إثيوبيا المجاورة، والتي ليس لها منفذ بحري منذ انفصال إرتيريا عنها عام 1993. هذا، بالإضافة إلى اتفاقات أخرى في دعم قطاعات الزراعة والطاقة والكهرباء والسياحة.

في أكتوبر من العام 2015 دوّى انفجار ضخم في مقر بعثة الإمارات في مقديشو، حيث تبنّت يومها منظمة الشباب الصومالية الهجوم الانتحاري، ولم يتمّ فهم المغزى السياسي من الهجوم إلا بعد سنوات، ترافقت فيها التهديدات الإرهابية مع اللمز السياسي وحملات منظمة شنتها منظمات يمكن ربطها بقطر، ضد الإمارات.

من ناحية أخرى، فقد ورد على لسان راشد عبدي، أنه وصف الحكومة الصومالية المركزية بأنها ببساطة “شديدة الموالاة لقطر”. وقد لاحظت صحيفة نيويورك تايمز، أن الدعم المالي القطري كان “كثيرا ما يُنظر إليه على أنه عامل حاسم في فوز محمد عبدالله محمد (فرماجو) بالرئاسة في الانتخابات الرئاسية في العام الماضي.

وقد توافقت تقارير لشهر أبريل على ملاحظة خطة قطر لاستثمار مبلغ 4 ملايين دولار لتطوير ميناء سواكن في البحر الأحمر التابع لحكومة السودان، حيث لوحظ أن الإعلان جاء مباشرة عقب اتفاق تركيا، حليفة قطر، على تطوير منشأة بحرية في سواكن. كلا الحدثين يشيران إلى أن الإمارات تواجه تحديا لموقعها في المنطقة.

ومن جهتها، دخلت تركيا إلى القرن الأفريقي منذ 2015، ضمن خطة تسويق، قد رسمتها مستغلة في ما تسميه “الروابط الدينية والتاريخية بين تركيا والصومال”، منذ دخول العثمانيين إلى مقديشو في القرن السادس عشر، في عهد السلطان سليمان القانوني، لإنقاذها من حملات البرتغاليين.

وحاولت عبر الوساطة فرض رؤيتها على الصومال وأرض الصومال، وقدّمت عددا كبيرا من البعثات التعليمية، وكشفت في 2015 عن سعيها لإنشاء قاعدة عسكرية في الصومال، وقد اتسق ذلك مع مدّ النفوذ العسكري التركي إلى القرن الأفريقي، وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة؛ حيث وقّعت أنقرة بالفعل اتفاقيات أمنية مع كل من كينيا وإثيوبيا وتنزانيا وأوغندا، لتدريب قوات الأمن في تلك الدول.

أما الهدف الخفي، فهو موازنة النفوذ السعودي والإماراتي في القرن الأفريقي. ورفضت الخارجية الصومالية في أكتوبر 2016 إطلاق اسم “قاعدة” على الكيان التركي الجديد، لكن الإدارة الصومالية الجديدة التي تشكّلت في يناير 2017 برئاسة محمد عبدالله فرماجو، رحّبت بإنشاء القاعدة، كما قام وزير الدفاع الصومالي، عبدالقادر علي ديني، بجولة تفقدية للقاعدة، وجّه خلالها الشكر لتركيا، بسبب “دعمها الكبير للصومال” وبقليل من الحسابات، نجد أن الموقف القطري والتركي متزامن مع الاندفاع الأخير للرئيس الصومالي.