شبح 1979.. العمال الغاضبون يحاصرون النظام الإيراني
هذه بعض ملامح المشهد الاحتجاجي المتصاعد في إيران، مع تفجر مئات من الاحتجاجات العمالية، في مؤشر على زيادة الاحتقان الناجم عن السياسة الاقتصادية للبلاد،وهو ما يذكر بإضراب عمال النفط عام 1979 الذي أدى إلى نجاح الثورة في الإطاحة بنظام الشاه، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
وتحولت الاحتجاجات العمالية ضد أرباب العمل إلى غضب شعبي ضد النظام الإيراني، مما يزيد الضغوط على قادة النظام الذين وعدوا بتحسين الوضع الاقتصادي بعدما علق الاتفاق النووي العقوبات الاقتصادية، لكنهم فشلوا في ذلك.
ومن المرجح أن تتعمق هذه الدوامة من الاحتجاجات، إذا قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات على الاقتصاد الإيراني المتداعي.
ارتفاع الأسعار وانهيار الريال
وارتفعت أسعار البيض واللحوم والخبز أكثر من 10 في المئة خلال العام، مما يضاعف ويلات المستهلكين، بينما تبلغ نسبة البطالة حوالي 12 في المئة
وهوى الريال الإيراني بحدة أمام الدولار، مما رفع أسعار السلع المستوردة، ودفع البنك المركزي للتدخل.
ورغم ارتفاع أسعار النفط مؤخرا، فإن المستهلكين لم يلمسوا أي تحسن.
ويقول معارضو الاتفاق النووي إن مئات الملايين من الدولارات التي حصلت عليها طهران جراء الاتفاق النووي ذهبت إلى الميليشيات الإيرانية والعصابات المتورطة معها في سوريا، بدلا من تحسين الاقتصاد الوطني.
وتضاف الاحتجاجات العمالية المشتعلة إلى سلسلة من الاحتجاجات الشعبية النابعة من السخط على النظام الحاكم الذي أدار ظهره للإصلاحات الاقتصادية، في وقت يمارس قمعا على الحريات الشخصية والسياسية.
درس غير مستوعب
وكان على الحكومة، بقيادة حسن روحاني وتحت مظلة المرشد علي خامنئي مواجهة العديد من الاحتجاجات في صناعة السكر، فحظرت الواردات في محاولة غير ناجحة لكبح تدهور هذا القطاع، لكنها في الوقت ذاته أرجعت الاضطرابات العمالية إلى من وصفتهم بـ"أعداء إيران"، في إشارة معتادة إلى الولايات المتحدة.
وأثبتت مشكلات العمل في الماضي خطورة على الوضع الاقتصادي، فقد أدت سلسلة من الإضرابات في مجال النفط قبل الثورة الإيرانية عام 1979، إلى تباطؤ إنتاج الطاقة إلى حد كبير.
ونجح العمال حينها في تجريد نظام الشاه من أهم مورد اقتصادي، وساعد ذلك بفعالية على الإطاحة به.
ولا يبدو أن نظام المالالي الذي حظر النقابات العمالية المستقلة، قد استوعب الدرس، فبدلا من التعامل مع سبب الاحتجاجات الأخيرة، استخدم القمع الأمني.
ففي مارس الماضي، اقتحمت قوات الأمن منازل أكثر من عشرة من عمال الصلب المضربين، بحسب راديو فارادا، إضافة إلى اعتقال قيادات عمالية في عدد من الصناعات وعلى رأسها صناعة السكر.
"عبودية"
ولم يتحسن الوضع المالي للإيرانيين ذوي الياقات الزرقاء كثيراً في العقود الأربعة التي تلت الثورة.
وقال الناشط العمالي جعفر عظيم زاده في شريط فيديو نشر على تطبيق تيلغرام للتراسل: "أين يوجد في العالم عامل يقل أجره أربع مرات عن خط الفقر؟" "هذه جريمة. هذه عبودية".
وتم تخفيض دعم المستهلكين استجابة لانخفاض عائدات النفط قبل أن يعيدها البرلمان في فبراير، في أعقاب الاحتجاجات. ومع ذلك، لا يزال الكثيرون من العمال لا يحصلون على رواتبهم.
وقال رضا رخشان، وهو ناشط نقابي ورئيس قسم في مصنع هافت تيبه لقصب السكر، "إننا نقترض المال في الأوقات التي لا يوجد فيها مرتبات.. يعاني زملائي من مرض السكري ومشكلات في القلب ولا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج".
وضربت الاحتجاجات والإضرابات الشركات التي توقفت عن دفع الأجور والمعاشات التقاعدية، في ظل الضغوط المالية.
ويرتبط العديد من أصحاب الشركات بالمؤسسة السياسية والدينية، بما في ذلك الحرس الثوري، وهو القوة العسكرية التي تحصل على نصيب الأسد من الاقتصاد الوطني.
وعانى مصنع هافت تيبه، الذي تمت خصخصته في عام 2015، من خسائر مستمرة، ثر تخفيض رسوم استيراد السكر إلى حوالي 20 في المئة من 140 في المئة ، عام 2005.
وقال الملاك الجدد أنهم يعملون على تحقيق الاستقرار في الأعمال التجارية بعد أن واجهوا خسائر متراكمة بلغت 100 مليون دولار.
"سنستمر في القتال"
ومع حظر النشاط النقابي المستقل، يكافح العمال للاتفاق على المطالب والتكتيكات اللازمة لتحقيقها، لكن القمع الأمني يزيد من حدة المشكلة.
وعادة ما تؤدي اعتقالات العمال إلى المزيد من الاحتجاجات والإضرابات، مع مطالب إضافية بالإفراج عن العمال المسجونين.
وقال رخشان: "في بلدان أخرى ، دفع العمال ثمناً باهظاً مقابل حقوقهم - لم يكن الأمر سهلا".
وأضاف "سنستمر في القتال أيضًا، باستخدام الإضرابات والاحتجاجات والالتماسات والشبكات الاجتماعية والإنترنت".