المُهَلّب..وتنازع العرب!!

د. علي صالح الخلاقي

هل يحتاج الأمر لإثارة خلاف بين الأشقاء العرب في هذه الدولة أو تلك حول المسائل التاريخية المرتبطة بالحضارة العربية الإسلامية التي سبقت ولادة جميع الدول العربية المعاصرة بقرون، وهل يحق لنا تعسف الأحداث التاريخية واستقراءها بمفاهيم اليوم السياسية (الضيقة) وفصلها عن سياقها التاريخي العام؟
ألا يحق لنا جميعاً أن نتفاخر بكل رموز حضارتنا العربية الإسلامية وقادتها العظام دون تعصب؟!..أم أن ذلك حقٌ حصري، لمناطق انتمائهم نسباً أو ولادةً..ولا يحق لأحد أن ينازعهم هذا الشرف؟!!
ألا يحق لعمان مثلا أن تفخر بانتماء المهلب بن أبي صفرة الأزدي إليها نسبا ..كما يحق للإمارات العربية أن تفخر بأن تكون (دبا) الإماراتية اليوم هي مسقط رأسه..كما يحق لليمن الطبيعية (بعيداً عن اليمننة السياسية المقيتة) أن تفخر بيمانية الأزد..ويحق للعراق أن تفاخر به باعتباره (سيد أهل العراق) كما قال عنه عبدالله بن الزبير، وكما ورد في المصادر التاريخية..بل ألا يحق لكل عربي ومسلم أن يتفاخر بكل رموز وأبطال حضارتنا الإسلامية؟!!.
ألا يكفينا ما نحن فيه من الخلافات المذهبية التي انشغل بها المسلمون وطغت على الصراع العربي –الصهيوني بمباركة ودعم غربيين، لاستثمار هذا الصراع لمصالحها، فضلا عن خلافات الحاضر السياسية التي قد تمزق الممزق، وقد تجعل من الأخوة أعداءً وكأنهم مقدمون على حرب أشبه بحرب "داحس وغبراء" عصرية بدأت بوادرها إعلاميا، وبداية الحرب كلام – كما يقال- ولا نتمنى أن تستمر، بل نتمنى أن يلتئم الشمل إذا ما تم تحكيم العقل؟!!..
هذه التساؤلات تبادرت إلى ذهني مساء أمس أمس الأول حينما اتصل بي منسق من قناة BBC لأخذ رأيي الأكاديمي في الخلاف العُماني – الإماراتي حول أحقية كل منهما ببطل الفتوحات الإسلامية في أقليم خراسان في العهد الأموي المهلب بن أبي صفرة..على خلفية مسلسل تاريخي انتجته أبوظبي عن هذا البطل العربي الإسلامي، وهو ما أثار حفيظة نشطاء عمانيين، يرون أن المهلب بن أبي صفرة عُماني الأصل، معتبرين أن إنتاج الإمارات للعمل محاولة لإثبات أصله الإماراتي!!.. ولأنني أُشعرت قبل أقل من ساعة على موعد البث على الهواء مباشرة، فقد اعتذرت عن المشاركة لضيق الوقت الذي لا يمكنني من الوصول إلى الاستوديو..فأحببت أن أضع هذه التساؤلات هنا ..علَّها تجد إجابات تساهم في التقريب لا التنفير بين أبناء أمتنا، وأن نجعل من رموزنا التاريخية قدوة وفخرا لكل أمتنا العربية والإسلامية نحو ما يجمعها ويقارب بينها، وليس ما يفرقها، في عالم اليوم المضطرب.
علما أن المهلب بن أبي صفرة أحد أبطال الفتوحات الإسلامية في المشرق خلال العهد الأموي، وقاتل تحت راية الإسلام (لا تحت راية سلطنة عُمان، ولا راية الإمارات العربية المتحدة) وقد تميز بالشجاعة والقدرة على القتال وإدارة المعارك بكفاءة، وشارك في الفتوحات العربية وقاتل الخوارج، وتولى أمر إقليم خراسان بتكليف من الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، وكانت له صولات وجولات في آسيا الوسطى والعراق، سواء من خلال إخماد الفتن أو الفتوحات، وهو الذي قال فيه عبدالله بن الزبير: «هذا سيد أهل العراق».
روي أنه وقف له رجل فقال: أريد منك حويجة -تصغير حاجة، فقال المهلب : أطلب لها رجيلا.ومن أخبار حلمه أنه مر يوما بالبصرة، فسمع من يقول: هذا الأعور قد ساد الناس، ولو خرج إلى السوق لا يساوي أكثر من مائة درهم، فبعث إليه المهلب بمائة درهم وقال: لو زدتنا في الثمن زدناك في العطية وكان قد فقئت عينه بسمرقند.
وكان بليغا حكيما في آرائه، له كلمات لطيفة وإشارات مليحة. ومن ذلك حين حضرته الوفاة، دعا إليه ابنه حبيبا ومن حضره من ولده، ودعا بسهام فحزمت ثم قال : أفترونكم كاسريها مجتمعة؟ قالوا لا، قال : فهكذا الجماعة، فأوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم، فإن صلة الرحم تنسئ في الأجل وتثرى المال وتكثر العدد، وأنهاكم عن القطيعة فإن القطيعة تعقب النار وتورث الذلة والقلة، فتحابوا وأجمعوا أمركم ولا تختلفوا وتباروا تجتمع أموركم.
وقد أثنى عليه الصحابة (رضوان الله عليهم)، لما وجدوا فيه من كريم الخلال فقد قال عبد الله بن الزبير عن المهلب "هذا سيد أهل العراق"
وأنشد فيه المغيرة بن حبناء:

أمسى العباد لعمري لاغياث لهم
إلا المهلب بعد الله والمطر
هذا يجود ويحمي عن ديارهم
وذا يعيش به الأنعام والشجر

ظل والياً على خراسان حتى أدركته الوفاة هناك سنة 82 هـ .
ومسك الختام لا أجد ما أقوله في هذا المقام أفضل من هذه الكلمات التي وردت في وصية المهلب لأبنائه وأوجهها لكل شعوب وقادة العرب:" أنهاكم عن القطيعة فإن القطيعة تعقب النار وتورث الذلة والقلة، فتحابوا وأجمعوا أمركم ولا تختلفوا وتباروا تجتمع أموركم".


مقالات الكاتب