شهر الصيام يغيّر وتيرة حياة المسلمين حول العالم
ستقبلت غالبية الدول العربية شهر رمضان لعام 1439 هجري الخميس، وبدأ شهر الصوم الأربعاء بالنسبة إلى كثير من المسلمين حول العالم، ومن بينهم المسلمون الذين يعيشون في ألمانيا وفي الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وكندا وغيرها.
الاستعداد لاستقبال شهر الصيام أدخل تغييرات كثيرة على نمط المعيشة والاستهلاك في مختلف المجتمعات العربية وأعاد الحركية في الأسواق وغيّر ملامح جلّ المدن العربية.
حركية تجارية نشطة
في المملكة العربية السعودية يستعد المواطنون باقتناء لوازم البيت والطبخ لإعداد موائد الإفطار الرمضانية التي تكون فيها الأولوية للأطباق التقليدية المحلية.
الأمر أعاد النشاط في حركة الأسواق ومن بينها الأسواق الشعبية في مدينة تبوك على اختلاف سلعها، حيث يحرص المستهلك على زيارتها لشراء ما يمكن شراؤه من مستلزمات شهر رمضان، خاصة من المواد الغذائية مثل الدقيق بأنواعه والجريش والقهوة والتمور والسمن البلدي والعسل، ناهيك عن شراء البهارات الشعبية المعروفة في المنطقة من محال العطارة.
حركة تجارية نشطة في هذه الأسواق التي لا تزال تحافظ على طابعها التاريخي، بارتفاع نسبة البيع نتيجة زيادة أعداد المتسوقين، حيث قال نايف بن حمود البلوي صاحب أحد المتاجر الشعبية “إن السوق يشهد حركة كبيرة هذه الأيام لما تمثّله المواد الغذائية من أهمية للصائمين ليتفرغوا خلال رمضان للعبادة”، مبيّنًا أن الأسواق الشعبية هي مقصد الكثير في هذه الفترة من العام وذلك لتوافر السلع، ورخص الأسعار، وتوفر أصناف عدة من المواد التي يحتاجها المتسوق.
من ناحيته قال المتسوّق محمد بن سلمان العبدلي إنه يفضل الأسواق الشعبية لما تمتاز به من معروضات ومواد غذائية أصبحت تنافس كبرى الأسواق المركزية في توفير المواد التموينية بمقابل مادي أقل، وشاركه الرأي العم سالم بن هويمل العطوي قائلا “إن تنوع البضائع وكثرة المحلات في هذه الأسواق، ورخص الأسعار، من الأمور التي تجعل الأسواق الشعبية خيارًا وحيدًا للمتسوقين في هذه الأيام في ظل توافر المعروض لديهم والمرغوب من الزبائن”.
وتناقلت العديد من وسائل الإعلام السعودية خبر غياب إطلاق مدفع رمضان هذا العام حيث أعلنت إمارة منطقة المدينة المنورة، غربي السعودية، تعليق استخدام مدفع رمضان. وأشارت في بيان نشرته على حسابها بموقع “تويتر”، إلى أن التعليق يأتي “لاستكمال بعض المتطلبات الفنية اللازمة”، من دون توضيحها.
وأوضحت أن إعادة تشغيل مدفع رمضان سيكون العام المقبل. ولمدفع المدينة المنورة الصوتي إرث تاريخي كبير لدى أهل المدينة، ارتبط في وجدانهم بشهر الصيام وأول أيام عيد الفطر، وكان يتم عبره إعلان حلول شهر رمضان المبارك في وقت كان هو الوسيلة الوحيدة التي تصل لجميع أهالي المدينة.
واستقبلت دولة الإمارات العربية المتحدة شهر الصيام كما باقي الدول العربية حيث نشطت حركة البيع والشراء وامتلأت المحال والأسواق بالمستهلكين الذين يقبلون على اقتناء ما يلزمهم. كما ركزت الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني على دعم وتوسيع الأعمال الخيرية والتضامنية بمشاريع وأنشطة متنوعة تساعد على تغطية حاجيات العائلات ذات الدخل المحدود.
وشهدت الإمارات جملة من المشاريع الخيرية والترفيهية التي تستهدف عامة الشعب، وفي أبوظبي مثلا أكملت مؤسسة خليفة الإنسانية استعداداتها لتنفيذ مشروع إفطار صائم الذي يستهدف توزيع أكثر من 900 ألف وجبة خلال الشهر في 105 مواقع توزيع تغطي كافة مناطق الدولة.
ويتم ذلك بعد تحديد مراكز التوزيع التي تتميز بالكثافة السكانية العالية وخصوصا من ذوي الدخل المحدود مثل المناطق الصناعية المختلفة الخاصة بالعمال والمساجد وبالقرب من الأسواق العامة. وتعاقدت الدولة مع عدد هام من الأسر المواطنة في جل المناطق بالدولة لإعداد وتجهيز وجبات إفطار يومية يتم توزيعها وفق احتياجات كل منطقة.
وفي مصر حيث تتوارث أجيال عادات الاحتفاء بقدوم شهر رمضان وتزدان الشوارع والبيوت بالفوانيس ويقبل المواطنون على شرائها كأحد المقتنيات الضرورية للتعبير عن احتفالهم بهذه المناسبة الدينية، وقد حملت أغلب منتجات الزينة والألعاب صور نجم كرة القدم المصري محمد صلاح الذي توّج موسمه المذهل برقم قياسي جديد في الدوري الإنكليزي.
وتساهم صور صلاح، بشعره المميز ولحيته، في زيادة مبيعات بعض السلع والمنتجات في مصر حيث يضع مُصنِعون صور هذا اللاعب على المنتجات التقليدية التي يقبل عليها المصريون بالمناسبة مثل الوسائد وفوانيس رمضان والمجسمات الورقية للترحيب بشهر الصوم، في مسعى لتحقيق أرباح من نجاح هذا اللاعب، بهدف تحقيق مكاسب في مواجهة المصاعب الاقتصادية الناجمة عن الإصلاحات المالية التي تنفذها الحكومة.
وقال صاحب متجر ذكر أن اسمه عصام “أعلى نسبة مبيعات في الفوانيس المعروضة هذا العام كانت تحمل صور محمد صلاح”. وقال تجّار آخرون في سوق بحي السيدة زينب في وسط القاهرة إن “هوس صلاح” يسهم أيضا في زيادة مبيعاتهم.
ظروف معيشية قاسية
في قطاع غزة اعتاد السكان، في كل عام، استقبال شهر رمضان بالفرحة، حيث يجهّزون أنفسهم للاحتفاء به قبل أسبوع من حلوله، غير أن هذا الشهر أطلّ عليهم هذا العام بوجه مختلف، وسط حالة من الحزن على ضحايا المجزرة الإسرائيلية بعد أن فقدت العشرات من العائلات الفلسطينية أبناءها أو معيليها، الذين استشهدوا مؤخرا برصاص إسرائيلي، وذلك بالتزامن مع تردّي الأوضاع الاقتصادية.
ومن جانب آخر، تخلو أسواق قطاع غزة من المواطنين (المشترين) خلافا لما اعتادت عليه خلال السنوات الماضية عند حلول شهر رمضان الذي يعتبر من الشهور المُكلفة للمواطنين، في ظل تفشي البطالة والفقر، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
وقالت الأمم المتحدة العام الماضي، إن 80 بالمئة من سكان غزة يتلقون مساعدات إنسانية عاجلة، في إشارة إلى سوء الأوضاع الإنسانية. ويشهد القطاع في الفترة الحالية، بحسب الغرفة التجارية والصناعية (غير حكومية) “كسادا تجاريا لم يسبق له مثيل حيث تتراكم البضائع لدى المستوردين والتجّار”.
وفي العاصمة اليمنية صنعاء عشية رمضان، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في المدينة الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين، لتزداد معاناة سكان تراجعت قدرتهم الشرائية بسبب الحرب.
وبحسب علي صالح، بائع التمر في سوق صنعاء الرئيسي، فإن “المبيعات ليست جيدة على الإطلاق” لأن “أولوية الناس هنا أصبحت تتركّز على تأمين المواد الضرورية”. ويحلّ رمضان على صنعاء في وقت تستمرّ فيه الحرب التي قتل فيها نحو عشرة آلاف شخص، وأثناء تعمّق الأزمة الإنسانية الناجمة عنها.
وتقول الأمم المتحدة إن النزاع المستمر في البلد الذي يبلغ عدد سكانه 27 مليون نسمة يضع حياة 22 مليون شخص على المحكّ، إذ يعاني هؤلاء من سوء التغذية، بينهم أكثر من 7 ملايين يواجهون خطر المجاعة.
لكن سكان صنعاء، ورغم الحرب والظروف المعيشية الصعبة، يحرصون على إحياء شهر رمضان بالصوم وعادات الإفطار والتبضع، إنما بكميات ومواد أقلّ من تلك التي اعتادوا عليها في فترة ما قبل اندلاع النزاع المسلّح.
وفي سوق صنعاء القديمة، لا يوجد نقص في المواد الغذائية، إلا أنّ الأسعار المرتفعة تصعّب على الباعة إيجاد الزبائن القادرين على الشراء. ويعيش العديد من اليمنيين حالة من الترقب في رمضان حيث يفكرون في طرق لتحصيل الأموال من أجل دفع الإيجارات وشراء المواد الغذائية الرئيسية التي تستخدم في إعداد طعام الإفطار مثل الحساء والسلطة.
المسلمون في المهجر
في دول المهجر أعلنت العديد من المؤسسات والهيئات المكلفة بالكشف عن رؤية هلال رمضان عن بداية الشهر الأربعاء، ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية حيث توافد الآلاف من المسلمين إلى المساجد لأداء أول صلاة تراويح لشهر رمضان. وتجمع المئات من المسلمين الذين يقطنون في العاصمة واشنطن وجوارها في مركز الديانة الأميركية بولاية ماريلاند لأداء صلاة التراويح.
كما أدّى المسلمون في كل من ألمانيا وبلغاريا، أول صلاة تراويح لشهر رمضان الأربعاء، وقال ملاحظون إن المساجد امتلأت في ألمانيا عامة، وفي مدينة كولن بولاية شمال الراين – فيستفالن (غرب) خاصة، بالمصلين الذين حرصوا على أداء أول تراويح الشهر.
وبدأت الجمعيات الإسلامية في ألمانيا في إقامة موائد للإفطار في تجمعات المساجد مع حلول شهر رمضان. وكان رئيس مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في ألمانيا دعا بمناسبة شهر رمضان إلى التحلي بالاحترام المتبادل.
وكتب رئيس المؤتمر الكاردينال راينهارد ماركس في رسالة ترحيب موجهة للألمان في ألمانيا “يجب ألا يكون هناك مكان لا تحترم فيه الكرامة الإنسانية، وفي هذا الشأن لا يهم إذا ما كان الإنسان ينتمي إلى الطائفة الدينية ذاتها أم لا”.
وأضاف راينهارد أنه صحيح أن ليس كل الديانات سواء، إلا أن الله منح الكرامة ذاتها لجميع البشر. وتابع “لذا يتعين علينا بصفتنا متدينين العمل من أجل النظر إلى الإنسانية على أنها عائلة تضم مخلوقات الله وأن نتبادل الاحترام والتقدير لبعضنا البعض”.
وفي كندا هنّأ رئيس الوزراء الكندي، جوستن ترودو، المسلمين ببلاده بقدوم شهر رمضان، في رسالة مصورة استهلها بإلقاء تحية الإسلام (السلام عليكم). وقال ترودو في رسالته “هذه الليلة سيتحرى المسلمون في كندا، وفي ربوع الأرض، بداية شهر رمضان”.
وتابع “في رمضان تحرص العائلات والأصدقاء على الاجتماع بالمساجد والمنازل، وصيام نهاره، والإفطار وقت الغروب، والابتهال بالدعاء. فهذا الشهر مناسبة للدعاء والمعنويات المرتفعة، وفرصة لعكس العديد من القيم مثل الرحمة والكرم”.
واستطرد ترودو قائلا “هذا الشهر يمثّل بالنسبة إلينا جميعًا فرصة لتطبيق هذه القيم، وهو فرصة لمحاسبة أنفسنا”. وأضاف “كما أن هذا الشهر يمثّل فرصة من أجل الاحتفال بالإسهامات الهامة التي تقدمها كل يوم لكندا المجتمعات المسلمة في بلدنا، والمسلمون الكنديون، أتمنى وزوجتي صوفي، وعائلتي رمضان طيبا للجميع”.